إنَّ مشكلة الفقر في المملكة العربية السعودية من أهم القضايا التي تبناها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إدراكًا منه لمعاناتهم، وإحساسًا بها، وشعورًا بمسؤوليته تجاه رعيته، واستحضارًا لمقولة الفاروق رضي الله عنه: “لو تعثرت دابة في العراق لسئل عمر عنها لماذا لم يمهد لها”، فقام بجولته في الأحياء الفقيرة في الرياض 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2002م، وتعد تلك الجولة نقطة التحول في معالجة الفقر حيث صدر بعدها الأمر السامي بتأسيس “الصندوق الخيري لمكافحة الفقر”، وتكليف وزارة الشؤون الاجتماعية بوضع خطة استراتيجية لمكافحة الفقر، رصد لها مائة مليون ريال، ومكافحة الفقر تعني مكافحة البطالة، البطالة التي تهدد مستقبل الألوف من شبابنا ومئات الألوف من بناتنا، مما دفع ببعض الشباب أن يبيع نعناع المدينة في طرقات الرياض في الشمس المحرقة حيث درجة الحرارة فوق الخمسين، وهو يقف أمام سيارة قديمة متهالكة بها كراتين في داخلها نعناع ودوش ولمام المدينةالمنورة، هذه البطالة التي دفعت ببعض خريجات الجامعات في جازان إلى العمل عاملات نظافة براتب شهري قدره(900) ريال، تصرفه الشركات لهن مع أنَّ الراتب المتعاقدات عليه معها (1500) ريال، بالتأمينات، ولا توجد رقابة من وزارة العمل على التزام هذه الشركات بشروط عقود عامليها، والفقر هو الذي دفع ببعض بناتنا ونسائنا العمل خادمات في البيوت، والسفر إلى بعض دول الخليج للعمل بها كخادمات. والفقر آفة اجتماعية وأخلاقية على المجتمعات، ولا سيما عند غياب الوازع الديني، والتربية السليمة، ومن خلال واقع المجتمعات والبيئات الفقيرة؛ إذ تتغلب عند الفرد نوازع الشر على الخير، وتتغلب غرائز حب البقاء والجنس على القيم والأخلاق، فأمام الجوع والحاجة إلى الطعام والمأوى والملبس قد تضعف النفس البشرية، فتضطر إلى السرقة، أو القتل في سبيل الحصول على المال، وقد تضعف أمام إغواء المال فينضم صاحبها إلى خلية إرهابية، أو إلى جهاز مخابرات للعدو ليتجسس على بلاده لصالح عدوها اللدود، وأمام غريزة الجنس يضعف، وقد يرتكب فاحشة الزنا مع إحدى محارمه التي ينام معها في حجرة واحدة لضيق السكن، وقد ينام، وجسده يلاصق جسد أخته، وأثبتت الدراسات أن كثيرًا من جرائم زنا المحارم تكثر في الأسر الفقيرة. كما نجد أن ظاهرة العنف الأسري تكثر أيضًا في الأسر الفقيرة. وقد تؤدي البطالة إلى اليأس من الحياة والانتحار أو محاولته، أو تمني الموت، قبل يومين جاءتني رسالة عبر الجوال من شاب عاطل جاء فيها “أنا خريج جامعي تقديري ممتاز بالشرف الأولى و(عاطل) من 4 سنوات عمري 28 وأبي دعوتك بس لي والله ضاقت الدنيا بوجهي وكرهت حياتي حتى أهلي تضايقوا من وجودي أرجوك بس بدعوة لي لو بالموت بس”. أمَا المرأة فالفقر قد يضطرها إلى بيع جسدها من أجل لقمة العيش، وكم من امرأة مارست الحرام لشدة حاجتها للمال، أو تتسوّل في الطرقات، حتى لو طرقت أبواب العمل الشريف، فقد يساومها رب العمل على تسليم نفسها له مقابل تعيينها لديه، أو يتحرش بها وكم من فتاة هاتفتني تطلب المعونة المالية هي وأخواتها، وأنَهن صامدات من أجل الحفاظ على شرفهن، ويخشيْن أن يضعفن وينهرن. ولفقر المرأة آثار سلبية متعددة على نفسها وعلى أطفالها وبالتالي على تقدم مجتمعها وتنمية وبلادها، فلقد توصلت بعض البحوث إلى أنّ الفقر وانعكاساته على سوء التغذية والوقاية والعلاج يلعب دورًا واضحًا في وفيات الإناث، كما تبين ذلك في دراسات اليمن ومصر والسودان وبلدان شمال أفريقيا. وتوضح بعض دراسات الحالة في مصر والمغرب ولبنان أنّ المرأة الفقيرة غالبًا ما تلجأ إلى التطبيب الشعبي لارتفاع تكلفة العلاج الخاص وعدم توفر إمكانات العلاج في المستشفيات والمصحات الحكومية، كما تعاني من نقص البروتين الحيواني والفيتامين في غذائها وهناك مؤشرات متعددة على ضعف أطفال الأسر الفقيرة من حيث معدلات وفيات الرضع والأطفال وسوء التغذية وتزايد عدد الأطفال المعاقين. إلى جانب تأثير آخر لفقر المرأة يتمثل في زيادة اليد العاملة من الأطفال وهي ظاهرة أخذة في الزيادة في البلدان النامية ولم تحظ بما تستحقه من بحوث، ولقد أوضحت المسوح العلمية في جميع أنحاء العالم أنّ أول من يتأثر بالتدهور البيئي هم الفقراء خاصة النساء والأطفال وكبار السن، كما أنّ أول من يؤثر في زيادة التدهور البيئي هم الفقراء وفي مقدمتهم النساء اللاتي يحاولن الاستفادة مما يبقى من الثروات الطبيعية غير عابئات بمخاطر اندثار وتلوث البيئة. لقد أثر الفقر بشكل كبير على خفض مستوى معيشة النساء وجعلهن يواجهن عدة صعوبات اجتماعية واقتصادية سواء ربات البيوت منهن أو العاملات في أسواق العمل الحضرية أو العاملات بشكل هامشي في الريف، ومن تلك الصعوبات عدم قدرتهن على إعالة أنفسهن وتربية أطفالهن مما يشكل مضاعفات خطيرة بالنسبة للمجتمع من حيث نوعية مواطنيه الحاليين والمقبلين وطبيعة إنتاجهم وقدراتهم كمورد بشري للأجيال القادمة ومن حيث المشكلات الدينية والأخلاقية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي قد تكون عائقًا كبيرًا عن تمكينهم من أن يكونوا خلفاء الله في أرضه كما يريد وعن تمكينهم من أن يكونوا محورًا مهمًا للتنمية بشكل عام والتنمية المستديمة على وجه الخصوص. من هنا كان اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالعمل من أجل مكافحة الفقر، وتشجيع الشباب والأسر على عمل مشروعات صغيرة تُموَل من صندوق مكافحة الفقر. ومكافحة الفقر في مجتمعنا السعودي لن تكون إلاّ بالقضاء على البطالة بتوفير فرص العمل للشباب من الجنسيْن بتأهيلهم طبقًا لمتطلبات سوق العمل، ومنح المرأة حق الولاية على نفسها ومالها، والتعامل معها معاملة كاملي الأهلية، وهذه حقوق منحها إيِاها الإسلام، ومن أسباب فقر المرأة السعودية تجريدها من هذه الحقوق، وعدم حمايتها ممن يستغلها ويستولي على أموالها، ويحرمها من حقها في التعليم والعمل، وميراثها وحقوقها المالية من أقربائها ووكلائها.