وإذا أردت أن تتصور شناعة تتبع رخص العلماء فتصور رجلا تتبع الرخص التالية من المذاهب الأربعة: 1. أخذ بقول جمهور العلماء - إلا الحنابلة - في أن صلاة الجماعة سنة مؤكدة أو فرض كفاية، فأخذ يؤدي صلاة الفريضة منفردا في بيته دائما. 2. وأخذ بقول الحنفية إن صلاة الجمعة لا تجب إلا على أهل بلد يوجد فيها أمير وقاض، فكان في بلد لا يوجد فيها أمير، فلم يؤد صلاة الجمعة مع المسلمين، وقد يبلغون آلافا. 3. وأخذ بقول الجمهور إن صلاة العيدين سنة مؤكدة أو فرض كفاية، فلم يشهدها مع المسلمين. 4. وأخذ بقول الجمهور - إلا الحنفية - في عدم وجوب زكاة الحلي وعدم وجوب زكاة الفواكه والخضراوات، فلم يؤد زكاة حلي امرأته، ولم يخرج زكاة الفواكه والخضراوات. 5. ثم رجع إلى الأخذ بقول الحنفية في عدم وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون، فلم يخرج زكاة الأموال غير النامية لأولاده الصغار. 6. وأخذ بقول الجمهور - إلا المالكية - في عدم وجوب زكاة الأنعام غير السائمة. 7. وأخذ بقول الحنفية والمالكية بسنية العمرة، فلم يؤدها كما يراه الشافعية والحنابلة. فهذا عدد قليل من رخص العلماء، وينتج من تتبعها أداء صلاة الفريضة منفردا في البيت، ومثلها أداء صلاة الجمعة ظهرا، وترك صلاة العيدين، وعدم أداء زكاة الحلي والفواكه والخضراوات والأنعام غير السائمة وأموال الصبي والمجنون، وعدم الإتيان بالعمرة... إلخ. وينبغي أن يعلم أن كل تلك الرخص السابقة أقوال صحيحة معتمدة في مذاهب أهلها، وليست أقوالا شاذة أو ضعيفة أو مهملة، كما أن الأخذ بها لا ينتج عنه تلفيق في التقليد، بل كل رخصة منفكة عن الأخرى، ومع ذلك فإن تتبعها ينتج عنه انحلال عن التكاليف الشرعية، وبناء على هذا فقد اتفق جمهور العلماء على حرمة تتبع رخص العلماء، ونقل بعضهم الإجماع عليه، وقد قدمنا سابقا بعض نصوصهم. أما الرخص الثابتة بالنصوص الشرعية المعتبرة، كالتيمم والمسح على الخفين والصلاة قاعدا للعاجز عن القيام وقصر الصلاة وجمعها للمسافر والفطر في رمضان للمعذور، فليست داخلة فيما نحن فيه؛ لأن هذه الرخص الشرعية ثابتة بالنصوص الصحيحة، ولا مجال للخطأ فيها، ولم يختلف العلماء في أصلها، وإنما اختلفوا في بعض تفاصيلها، كصفة الخف الذي يجوز المسح عليه وصفة التيمم وشروطه وصفة السفر المبيح للقصر والجمع والأعذار المبيحة للفطر في رمضان، فهذه هي الرخص التي يحب الله من عبده المسلم أن يترخص بها؛ ليشهد فضل الله عليه ورحمته به.