حولت بعض المجتمعات العربية والخليجية شهر الصوم والعبادة إلى شهر استهلاكي من الدرجة الأولى.. إذ يتضاعف الاستهلاك الغذائي ويزداد حجم الإنفاق غير آبهين بالنتائج من زيادة الوزن ومقدار ما ينفقونه. ويقول خبراء واقتصاديون ل “المدينة”: إن استهلاك الاسر يزيد في رمضان للضعف وهي عادات استهلاكية سيئة مع أن شهر رمضان عمليًا يجب أن يكون أقل استهلاكًا بحكم أن ثلاثة أرباع يومنا صيام. وأرجعوا ذلك إلى أن الاستهلاك يزيد خلال شهر رمضان الكريم، لأن العادات والتقاليد تجبر العديد من الأسر على استهلاك أنواع معينة من الغذاء؛ فيزداد الطلب عليها حتى تصل إلى 20 في المائة إذا لم تكن أكثر من ذلك. *زيادة حجم الإنفاق ويشير الدكتور زيد بن محمد الرماني “المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية” إلى أن ظاهرة الإسراف الغذائي وتخمة الاستهلاك وعادة الصرف غير الموجّه، من العادات الخاطئة، ساعد على انتشارها بروز العقلية الاستهلاكية في المجتمع وشيوع الثقافة الاستهلاكية بين الأفراد، إلى جانب إغراق السوق بأصناف متنوعة والإعلان عنها بطرق مثيرة، إلى جانب غياب الوعي الاستهلاكي. موضحا أن العالم اليوم بجميع دوله، متقدمة كانت أو نامية، يسوده ظواهر الإسراف الغذائي والنهم الاستهلاكي، حيث أصبح الإنسان المعاصر مجرد أداة استهلاكية. أما عن كيفية تحقيق التوازن الغذائي أثناء الشراء فيقول الدكتور الرماني: أول ما ينبغي مراعاته أثناء عملية الشراء هو عدم الحصول أكثر من الحاجة، أي شراء كميات الغذاء اللازمة فقط، لتجنب تلف ما يزيد على الحاجة، كما ينبغي الشراء من المحلات النظيفة، التي تتبع التعليمات الصحية في العرض والتغليف والبيع. وتقول الإخصائية الاجتماعية سماح محمد عبدالرحمن: من الملاحظ أن الاستهلاك في رمضان لا يتضاعف من ناحية المواد الغذائية فقط، بل هناك كثافة أيضا في البرامج والمسلسلات، ولكن الذي يظل أكثرها وضوحًا هو زيادة حجم الإنفاق على السلع والمواد الغذائية الاستهلاكية، وهذا يتضح من خلال ازدحام الأسواق وما تستقبله صناديق القمامة يوميا. *موسم الإقبال والشراء من ناحيته أكد أحد الباعة أن حجم المبيعات والاقبال على الاطعمة خلال شهر رمضان يقترب أو يعادل ما نبيعه خلال رمضان. أما أحد أصحاب المحلات الكبيرة المتخصصة في بيع المواد الغذائية أجاب: إن الإقبال الشديد من الزبائن هو الذي يدفع إلى ظاهرة ارتفاع الأسعار، حيث ترتفع نسبة الاستهلاك خلال شهر رمضان لمعدلات تصل إلى 150% زيادة عن معدلات الاستهلاك خلال الشهور العادية، وضرب مثلا بمجموعة السوبر ماركت التي يديرها؛ فالاستهلاك في الشهور العادية يصل إلى ألفي طن من مختلف أصناف الأغذية والمأكولات وترتفع إلى 4 آلاف طن خلال شهر رمضان المبارك. واختتم مؤكدا ضرورة تنمية الوعي الاستهلاكي الصحي والسليم لدى جميع أفراد الأسرة، وهي مسؤولية تتحملها مؤسسات عدة في أي بلد، كما أشار إلى أهمية تفعيل دور المؤسسات الأهلية المعنية بحماية المستهلك، وهي التي لا تحظى بأي صلاحيات في جميع البلاد العربية، بالإضافة إلى قلة عدد المتطوعين لخدمة هذا العمل الذي يعود بالنفع على المجتمع بأسره. ومن جانب آخر يقول المحلل المالي الدكتور نبيل المباركي: يزيد استهلاك الأسر في رمضان إلى الضعف وهي عادات استهلاكية سيئة أكثر من كونها ترشيدية مع أن رمضان عمليا يجب أن يكون أقل استهلاكا بحكم أن ثلاثة أرباع يومنا صيام، ولكن لماذا الاستهلاك بهذا القدر من قبل الأسر وفي رمضان يجب أن يكون تقليلا من نسب الأكل والاعتماد على عملية التصبر أو الصبر. وذكر الدكتور المباركي: أن البعض يبالغ في مائدة رمضان؛ إذ تتطلب ضعف الاستهلاك مقارنة بالأيام العادية وعمليا تشتري الأسر أكثر من المعتاد خلال الايام العادية، وهل هذا استهلاك حقيقي أي “أكل حقيقي” أم عملية عادات فقط، ويضيف: يبدو أنها عادات، وعندما نرى مائدة الإفطار على سبيل المثال هي تمثل مائدة العشاء والفطور والغداء في سفرة واحدة ككمية وهذا بحد ذاته أنه من المستحيل أن يأكل أكثر من وجبة واحدة مهما كان. ويقول الدكتور المباركي: إن على رب الأسرة أن يفكر جديا في كيفية صرف الريال الذي معه بطريقة مختلفة عما تعود على انفاقه في السابق، إذ إن قيمة الريال الشرائية تراجعت بمقدار 40 في المائة، وبالتالي يجب أن يكون رب الأسرة حريصا على الصرف والاستهلاك والسبب الاخر من وجهة نظر دينية وشرعية أن رمضان الهدف منه التعود على الصبر والاقتصاد في الأمور وليس الاسراف. ويضيف: العادات سيطرت على كل شيء فرب الأسرة يجب أن يزرع في أبنائه قضية التقليل من الاستهلاك والمصروفات وهذه العوامل يجب أن تكون في تفكير رب الأسرة أو حتى الأم ومحاولته لضبط أمور الصرف مع الارتفاع الحاصل في أسعار المواد الغذائية والحد من المصروفات والتقليل منها قدر المستطاع، فهناك مصروفات لا يمكن التحكم فيها كمصاريف الإيجارات ولكن هناك مصاريف يمكن التحكم فيها، فبدلا من أن نصرف في الشهر ونشتري كيسا من الأرز، لماذا لا يتقلص إلى النصف وهكذا، وأيضا فيما يتعلق في اللحوم، والاخيرة اثبت طبيا وعلميا ان كثرة تناولها تسبب الامراض، وتساءل، لماذا كل هذا الإسراف؟، لافتا إلى أن هناك أمراضا كثيرة ظهرت مثل أمراض السكري والضغط، وهذا كله بسبب العادات الغذائية السيئة في الكم والكيف وقلة الحركة وكثرة النوم، والمجتمعات عندما تكون في حالة خمول نتيجة الوفرة وعندما تتوفر المادة وهذا عكس المنطق فنرى شعوبا فقيرة جدا، ولكنها تعيش بصحة أكثر، لأن الحركة وشظف العيش والتعب هذه كلها أمور تؤدي لعدم صرف الإنسان للمال وبالتالي تصبح صحته أفضل وأحسن. *قيمة الأموال ويقول الداعية الدكتور سعود الفنيسان: على رب الأسرة وكل فرد في المجتمع أن يقدر قيمة الأموال التي تهدر وتسرف ومحاسبة نفسه عن أوجه صرفها وبالظروف المعيشية وما يحيط بنا والغلاء المعيشي العالمي والمحلي، ولا بد أن يعيدوا ميزانياتهم ويعيدوا تصرفاتهم الاستهلاكية اليومية وفق قدرتهم وطاقتهم وألا يعيشوا كما كانوا قبل مدة أو قبل زمن، ففي السابق كانت الاسعار أرخص والسلع كلها متوفرة، ولا شك أن تقلبات الزمن تتغير فلا بد من إعادة النظر في مصروفات المنزل وعلى التجار ألا يستغلوا حاجة الناس لبعض السلع ويرفعوا سعرها.