اعتاد كثير من أغنياء المسلمين، بل أكثرهم -فيما يُشاهد- أن يتحروا شهر رمضان؛ لإخراج زكاة أموالهم! وهذه العادة تحتاج منا إلى وقفات ومراجعات!! هل هي الأفضل، فنستمر عليها، أم أن الأمر غير ذلك... من وجهة نظري: أن الأفضل ألا تدفع الزكاة رمضان -والحال ما سبق-؛ لما يلي: أولًا: إن دفع الزكاة في شهر رمضان يقلِّل من صدقات التطوع؛ لأن الإنسان -بحكم شدة محبته للمال- كلما ابتعد عن وقت زكاته كلما كثرت صدقاته. فبعض الناس يكتفي في رمضان بدفع الزكاة، وبعضهم تَقِلُّ صدقاته المستحبة؛ لأن الزكاة زاحمتها، وبعضهم -وهم صفوة- من لا تتأثر صدقاته بزكاته! ثانيًا: إن اعتياد كثير من الناس دفع الزكاة في رمضان جعل بعض العامة يعتقد وجوبها في ذلك الوقت أو استحبابها. والعبادة إذا خُصصت بوقت يجعل العامة يعتقد وجوبها في ذلك الوقت، فإنه يُترك فعلها في ذلك الوقت -ولو أحيانًا- ؛ من أجل تعليم العامة، كما قرر ذلك الشاطبي -رحمه الله - في كتابه الموافقات. ثالثًا: المشاهد أن الفقراء يكثر تجوالهم في رمضان، وطرقهم لأبواب الأغنياء، مما يصرفهم عن التفرغ للعبادة وتلاوة القرآن والقيام ونحوها! رابعًا: إن توافق الأغنياء على دفع الزكاة في وقت واحد جعل الفقراء يستغنون في شهر واحد، بينما يبقون سائر الشهور يستجدون الناس! ولو أن الأغنياء دفعوا الزكاة في أوقات متفرقة؛ لاستغنى الفقراء طيلة العام! خامسًا: إذا أراد المسلم أن يتوخى أفضل وقتٍ لإخراج زكاته - أداءًا لما حلَّ، وتعجيلًا لما لم يحلّ - فليتوخَ الوقت الذي تشتد فيه حاجة الفقراء والمساكين، يقول الشيخ محمد العثيمين -رحمه الله- في الشرح الممتع (6/189) وهو يتحدث عن عدم جواز تأخير الزكاة إذا حلَّ وقتها، يقول: “فإن قال قائل: هل يجوز أن يؤخر الزكاة لمصلحة؟ الجواب: نعم، يجوز، فمثلًا: عندنا في رمضان يكثر إخراج الزكاة ويغتني الفقراء أو اكثرهم، لكن في أيام الشتاء التي لا توافق رمضان يكونون أشد حاجة، ويقل إخراج الزكاة، فهنا يجوز تأخيرها؛ لأن في ذلك مصلحة لمن يستحقها، لكن بشرط: أن يبروها من ماله، إذن الفضيلة في إخراج الزكاة متعلقة بالحاجة وشدتها، لا بالزمان وفضيلته! [email protected]