رغم أن المسلسل المحلي (طاش ما طاش) هو أكثر المسلسلات التلفزيونية التي أفردت الصحف السعودية مساحات واسعة لنقدها والتعليق عليها، فإنني لم أصادف إلاّ ندرة من المقالات التي تناولت المسلسل باعتباره عملاً فنيًّا في المقام الأول! معظم الكتاب يتناولون المسلسل من زاوية الأفكار التي يطرحها والرسائل الاجتماعية التي يبثها فقط. أمّا إخضاع العمل لشروط الدراما التلفزيونية ونقده على أساسها فهو ما لا نكاد نراه رغم وجود صفحات وملاحق فنية متخصصة بكل جريدة من جرائدنا! الأسوأ من ذلك هو أن الكتابات التي تتناول المسلسل لا تخرج في الغالب عن تصنيفين لا ثالث لهما: فإمّا المديح المطلق، وإمّا الذم المطلق. وإذا كان هجوم الطرف الذي يرفع لواء التشدد على المسلسل مفهومًا على اعتبار أن هذا التيار عُرف بارتيابه من كل شيء، وبرفضه لأي مظهر من مظاهر التغيير، فإن مبالغة الطرف الثاني في كيل المديح للمسلسل وكأنه عمل متكامل، ولا يشكو من أي نوع من أنواع الخلل، أو القصور، هو شيء محيّر وغير مفهوم! المنتظر من التيار الآخر أن يحاول التأصيل لثقافة تحترم الفن، وتتعامل معه بوصفه قيمة حضارية، وتساهم في نفس الوقت في ترسيخ المعايير الفنية الصرف باعتبارها المرجعية الوحيدة التي يمكن إخضاع أي عمل فني لمقتضياتها. أمّا أن يتعامل هذا التيار مع مسلسل تلفزيوني وكأنه ظاهرة فكرية لا تحتمل سوى التأييد أو الرفض، فهذا يعني أن للأمر دلالات سلبية لا بد من التوقف أمامها. الدلالة الأهم في رأيي للظاهرة التي نرصدها الآن، هي عدم قدرة العقلية السعودية على تجاوز مرحلة التحزب إلى مرحلة النقد والتجرد. وهو ما ينطبق على كلا الطرفين، أو التيارين الفاعلين على الساحة الثقافية السعودية بشكل متساوٍ على الرغم من اختلاف لغة الطرح اختلافًا جذريًّا. لكن نظرة فاحصة لمضمون الخطاب الذي يقدمه التياران (المتصارعان) تؤكد على أن الخلاف الظاهر على السطح لا يعكس خلافًا حقيقيًّا على مستوى العمق. ذلك أن التيارين كانا -ولا يزالان- يستخدمان نفس الأدوات الفكرية من دعوة للمصادرة، وإقصاء، واستعداء، وتحريض على المستويين الرسمي والشعبي، وادّعاء لاحتكار الحقيقة والفضيلة، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف مفهوم الفضيلة من تيار لآخر. هذه هي بعض سمات العقل المتحزب الذي لا يمكنه الخروج عن دائرة التحمس أو التربص.