لم تأتِ موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على الانتقال إلى مرحلة المفاوضات المباشرة دون موافقة اللجنة الرباعية على شروطها مفاجئة لأحد، بل إن بيان اللجنة الرباعية خلا، كما كان متوقعًا من الدعوة لوقف الاستيطان بعد تأخير لم يستمر سوى يوم واحد عمّا كان مفترضًا، واكتفى بالتأكيد على تبنيه لبياناته على مدار عام سابق، وبدعوة الطرفين للامتناع عن الأعمال والتصريحات الاستفزازية. وهكذا تبخرت كافة التصريحات النارية التي صدرت عن قادة السلطة بعدم الانتقال إلى المفاوضات المباشرة إلاّ بعد الحصول على ضمانات تتعلّق بالمرجعية، والسقف الزمني، ووقف الاستيطان. وهو ما أدركته الجامعة العربية منذ البداية، عندما اختصرت الطريق، وأعطت الضوء الأخضر للسلطة الفلسطينية للدخول في المفاوضات المباشرة دون لف ودوران! وهكذا يتكرر مشهد أنابوليس قبل ثلاثة أعوام الذي لم يسفر عن أي مردود إيجابي بالنسبة لعملية السلام، بل بالعكس من ذلك أدّى إلى زيادة وتيرة تهويد القدس، وشن إسرائيل عدوانها على غزة، وتشديد حصارها على الفلسطينيين. ما يدعو إلى الاستغراب أن تعلن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أمس الأول وهي تزف بشرى استئناف الفلسطينيين للمفاوضات المباشرة بداية الشهر المقبل في واشنطن، بالأمل بأن تنتهي «خلال عام». الموافقة الفلسطينية دون شروط مسبقة يعني أن المفاوضات ستكون بلا جدول أعمال محدد سلفًا، وبلا مرجعية تتعلّق بقرارات الشرعية الدولية القاضية بانسحاب إسرائيل من الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وهو ما يعني أيضًا إعطاء فرصة جديدة للمحتل لقضم المزيد من الأرض الفلسطينية، وإكمال مخطط تهويد القدس، بحيث لا يتبقى في نهاية المهلة الجديدة ما يمكن التفاوض حوله. من الواضح أن هذا التطور الأخير يخدم المصلحة الأمريكية من حيث دعمه لموقف الرئيس أوباما، كونه يسبق الانتخابات النصفية للكونجرس، وهو يخدم أيضًا مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يعتبر الفائز في جولته مع الأمريكيين بعدم تجديده مهلة تجميد الاستيطان، ومع الفلسطينيين لأنه يستأنف المفاوضات المباشرة معهم دون شروط مسبقة، ومع المعارضة الإسرائيلية لأنه نجح في ترميم علاقاته مع الإدارة الأمريكية دون تقديم أي تنازل. وبقى من الواضح أن الخاسر الأكبر هم الفلسطينيون الذين يكتفون بالأمل!