كل مرة تنشر فيها قصة مخترع سعودي، في الصحف السعودية، أقول ياساتر، حيث تحضرني فورًا قصة أبو مشاري، أو مأساة مخترع حدثت قبل عدة أشهر، في مطلع هذا العام، حامد الصالح، السعودي الذي صعد إلى الدور الرابع لأحد الأبراج بالدمام محاولاً الانتحار بإلقاء نفسه من أعلى البرج، وهرعت فرق الدفاع المدني وفرق الإسعاف إلى موقع البلاغ عقب تلقيها بلاغاً من المواطنين، وعملت على تهدئة المواطن والتعامل مع الموقف حسب ما يقتضيه. نجح مدير الدفاع المدني في مدينة الدمام العميد سعيد بن يحيى الغامدي وعدد من الضباط والأفراد في السيطرة على الموقف حيث تم تسليمه إلى شرطة الدمام، وشهد الموقع تجمهر فضوليين استدعى تدخل دوريات الأمن والمرور في تفريق المتجمهرين وفك الاختناقات المرورية في وقت وجيز، ولم يكن في حسبان الدفاع المدني الذي قام بإنقاذ المواطن أمس أن التحريات ستكشف لاحقا أن المحقق معه صاحب عقلية ابتكارية وسبق أن حصل على براءة اختراع في مجال الطوارئ والإسعاف، ومثل المملكة في مناسبات خارجية. ووقف محققو شرطة جنوبالدمام مندهشين وهم يستمعون لإفادة الأربعيني الذي سبق أن حصل عام 2004 على الميدالية الفضية من كوريا الجنوبية في ابتكاره آلية جديدة لنقل المصابين وتحريرهم من الحوادث الجسيمة دون لمس أطرافهم وهو الابتكار الذي أهله سابقاً للحصول على المركز الثاني عام 2001 بمهرجان الاختراعات السعودية بمحافظة جدة. أسرة برنامج الفضائية، (أم بي سي في أسبوع)، أخذت مبادرة أكبر، عندما التقت مع أبو مشاري، وحاولت تمثيل مشهد الانتحار، وقال أبو مشاري في المقابلة إنه يفخر بإطراء الأمير محمد بن فهد عليه، وعلى زملائه المخترعين، ولكنه ألقى باللوم على جهات تسجيل براءة الاختراع، التي استغرقت 4 سنوات ولم يستطع تسجيل اختراعاته، وفي آخر مرة قالوا له: طلبك معطل لانك لم تدفع 600 ريال رسوم التسجيل، مما جعل خياره أن ينهي حياته بنفسه. والسؤال هل تشجيع المخترعين، عبر الهيئات والمؤسسات الخيرية، والمؤسسات التعليمية، لدينا بالمملكة من أجل الاستفادة من أفكارهم، وإعطائهم دوراً تنموياً يليق بهم، والاستفادة من طاقاتهم الفذة في خدمة الوطن، وشكرهم على هذا الدور مادياً، وتقديم العون لهم، أم أنه لمجرد المفاخرة، والتباهي، والحصول على القبول الاجتماعي، والسمعة المغرضة، بأننا نكرم المخترعين، وأننا أمة متحضرة ترعى الموهوبين، في دور تمثيلي باهت، لا يلبث أن ينتهي ويزول بمجرد خروج الكاميرات من الباب؟ من قصة أبو مشاري، من الواضح أن الرأي الثاني هو الأغلب، وإلا لما وصلت حالته للدرجة التي يتمنى فيها الموت، خصوصاً، أن مخترعاته السابقة تدل على أنه ليس غبياً، ولا قاصراً، ولامريضاً نفسياً، إنما الصدمة من المجتمع، والناس، والبيروقراطية، التي لا تراعي حساسية الموهوب، وشغفه بالعلم، وعدم توفر مؤهلات الشحاذة أو النصب عنده، هي السبب، ففكره مشغول بما هو أهم، من هنا يجب أن تقدم مؤسسات رعاية الموهوبين خطوة صادقة للبحث عن هؤلاء المتميزين وصقلهم، وتقديم العون لهم، بدون ضجيج وبدون إعلام صاخب، نريد فقط قولا يسبق الفعل حتى نصدق.