قال الضَمِير المُتَكَلِّم : نظرت البارحة فإذا الغرفة دافئة والنار موقدة، وأنا على أريكة مريحة، أفكر في موضوع أكتب فيه،والمصباح إلى جانبي، والهاتف قريب مني، والأولاد يكتبون، وأمهم تعالج صوفا تَحيكه، وقد أكلنا وشربنا، والراديو يهمس بصوت خافت، وكل شيء هادئ، وليس ما أشكو منه أو أطلب زيادة فيه ؛ فقلت “ الحمد لله” أخرجتها من قَرَارة قلبي ، ثم فكرت فرأيت أن “الحمد” ليس كلمة تقال : باللسان ولو رددها اللسان ألف مرة، ولكن الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها.حَمْد الغني أن يعطي الفقراء ، وحَمْد القوي أن يساعد الضعفاء ،وحمد الصحيح أن يعاون المرضى ، وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين. فهل أكون حامدا لله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد؟ وإذا كان جاري لم يسألني ؛ أفلا يجب أن أسأل عنه ؟ وسألتني زوجتي: فيمَ تفكر؟، فقلت لها. قالت: صحيح، ولكن لا يكفي العباد إلا من خلقهم، ولو أردت أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم! قلت: لو كنت غنيا لما استطعت أن أغنيهم، فكيف وأنا رجل مستور، المسائل نسبية، فأنا بالنسبة إلى أرباب الآلاف المؤلفة فقير، ولكني بالنسبة إلى العامل أو العاطل الذي يُعيل عشرة غني من الأغنياء، وهذا العامل غني بالنسبة إلى الأرملة المفردة التي لا مال في يدها ، ورَبّ الآلاف فقير بالنسبة لصاحب الملايين؛ فليس في الدنيا فقير وغَنيّ لا مطلقا، وليس هناك صغير ولا كبير، ومن شك فاسأله عن العصفور:هل هو صغير أم كبير؟ فإن قال صغير، قلت: أقصد نسبته إلى الفيل، وإن قال كبير، قلت: أقصد نسبته إلى النملة ؛ فالعصفور كبير جدا مع النملة، وصغير جدا مع الفيل !! فكل إنسان يستطيع أن يجد من هو أفقر منه فيعطيه، فإذا لم يكن عندك إلا خمسة أرغفة ، تستطيع أن تعطي رغيفاً لمن ليس عنده شيء! والذي ليس عنده إلا أربعة ثياب مرقعة يعطي ثوباً لمن ليس له شيء، والذي عنده أربعة ثياب مَلّ منها، وعنده ثلاثة جديدة ، يستطيع أن يعطيها لصاحب الثياب المرقعة، ورب ثوب هو في نظرك قديم بال، لو أعطيته لغيرك لرآه ثوب العيد !! هذا جزء من مقال للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله نُشِر عام 1956م ، تذكرته ، وكل رمضان نتذكر أحاديث الشيخ الطنطاوي ؛ فهل نستفيد . ألقاكم بخير والضمائر متكلمة .