كتبت في الأسبوع الماضي عن أهمية الأمن المائي لبلادنا في ظل التغيرات الكونية ونقلت عن معالي وزير المياه إحصائيات عديدة عن الشح المطرد في مصادر المياه المتجددة في العالم عامة وفي بلادنا خاصة، وبالرغم من ذلك فإن معدل استهلاك الفرد لدينا من المياه يبلغ مائتين وثلاثين لتراً في اليوم وهو من أعلى المعدلات في العالم ويزيد بأكثر من الضعف عن معدل استهلاك الفرد في الاتحاد الأوروبي مما يوضح مقدار العبث في الاستهلاك لدينا وأهمية الدعوة إلى الترشيد والحد من الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، وأنهيت المقال بإثارة ثلاث نقاط للتأمل وهي مسألة استخدام المياه في الزراعة وتعرفة المياه للأغراض البلدية والحد من تسربات المياه. أما المسألة الأولى فإن أهميتها تتضح من أن الاستخدام الزراعي في بلادنا يستهلك ما يقارب 90% من إجمالي الاستهلاك ولذلك فإن أي حديث عن الاستهلاك البلدي أشبه ما يكون بمن يحاول أن يغلق شباكًا ويترك الأبواب مفتوحة على مصراعيها، صحيح أن الاستهلاك البلدي يعتمد بالدرجة الأولى على مياه البحر المحلاة وهي أكثر تكلفة من المياه الجوفية التي يعتمد عليها الاستهلاك الزراعي إلا أن الصحيح أيضاً هو أن مخزون المياه الجوفية محدود وقابل للنضوب ولذلك فإن قيمتها الحقيقية أكثر بكثير من مياه البحر.. أضف إلى ذلك أن استخدام المياه الجوفية لا يخضع لأي تعرفة مع أن مخزون هذه المياه يجب أن ينظر إليه باعتباره ثروة وطنية تملكها الأمة مثلها مثل مخزون النفط في باطن الأرض.. والأدهى والأمر هو أن جزءاً كبيراً من الإنتاج الزراعي الذي يستفيد من المياه الجوفية مخصص للتصدير ومعنى ذلك أننا نقوم باستنزاف مياهنا الجوفية وإهدائها بالمجان إلى الخارج، ولا شك أن الحل الواضح والمنصف لهذه المسألة يتمثل في وضع تعرفة استهلاك عادلة للمياه الجوفية على أن تتضاعف هذه التعرفة عدة مرات للجزء المستخدم في التصدير. المسألة الثانية تتعلق بتعرفة استخدام المياه للأغراض البلدية وهي تعرفة متدنية إلى حد يضر بمصلحة الفئات الأقل دخلاً ويخدم الأثرياء والمسرفين والعابثين.. ذلك أن المواطن البسيط الذي يعيش في القرى والقفار أو حتى في الأحياء الشعبية في المدن الكبرى التي غالباً ما تكون خارج نطاق تغطية شبكة المياه يضطر إلى دفع مبالغ طائلة لاستجلاب المياه عن طريق الناقلات، أما سكان الفلل والقصور فإن التعرفة الحالية تمنحهم الحق في غسيل سياراتهم وري حدائقهم وملء أحواضهم وتنظيف أحواشهم وممارسة كل أنواع الهدر والعبث، وهم بذلك يسلبون حق المواطن المسكين في الاستفادة بما يعبثون به من مياه، ولذلك فإن الحل العادل لهذه المعضلة يتمثل في الإبقاء على التعرفة الحالية للاستهلاك حتى معدل مائة لتر في اليوم للفرد ثم تطبيق تعرفة تصاعدية بعد ذلك تساعد على الترشيد وتحد من الاستهلاك المفرط وتهيئ السبيل أمام التوجيه الرشيد لمواردنا المائية. المسألة الأخيرة تتمثل في ضرورة العمل على تحديث الشبكات الناقلة للمياه ومنع التسربات الحاصلة فيها والتي تصل أحياناً إلى 30% أو أكثر وتحديد هدف واقعي للفاقد عن طريق التسربات لا يتجاوز 10% وهو أمر أظن أن وزارة المياه تعمل حالياً على تحقيقه. وتبقى كلمة.. فلقد هاتفني معالي الأخ المهندس عبدالله الحصين وزير المياه والكهرباء بعد نشر مقال الأسبوع الماضي وعاتبني لأنني لم أوضح الحد الفاصل بين ما نقلته عن معاليه من معلومات وما أوردته من أفكار وتعليقات ويبدو أن ثقتي في ذكاء القراء وفطنتهم لم يفقهها إلا حرص معاليه على الوضوح والدقة، ولذلك أبين إن ما ورد في ذلك المقال من معلومات وإحصائيات فهو مستقى من خطاب عام ألقاه معالي الوزير، أما ما جاء في المقال من أفكار وآراء فهو من عندي طرحته أمامكم للحوار والتأمل. @yahoo.com afcar2005فاكس : 6901502/02