تهمة الإبادة الجماعية التي وجهت في الثاني عشر من شهر يوليو الجاري للرئيس السوداني عمر البشير، إضافة إلى تهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور التي وجهت إليه في مارس 2009 تكشف بجلاء عن خلل خطير في النظام الدولي الجديد الذي من المفترض أن تكون المحكمة الجنائية الدولية إحدى أدواته الفاعلة والعادلة لتعقب مجرمي الحرب أيا كانت جنسياتهم أو ديانتهم أو لونهم. فإصدار مذكرة اعتقال ثانية بحقه، ومطالبة الدول التي قام البشير بزيارتها مؤخرًا باعتقاله يكشف بجلاء عن هذا الخلل كونه يتم في ذات الوقت الذي تمارس فيه الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة بوضوح وبكافة صورها وأشكالها العنصرية والعرقية في مناطق أخرى في العالم دون إصدار مذكرات اعتقال في حق مجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان في تلك المناطق، وهو ما يمكن ملاحظته بشكل خاص في الحالة الإسرائيلية التي تشكل نموذجًا للدولة التي تمارس كافة أشكال الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى جانب انتهاكاتها لكافة القوانين والاتفاقيات والقرارات الدولية حتى قبل قيامها في مايو 1948 عندما تجاهلت عصاباتها قرار التقسيم الصادر عام 1947. الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية للمرجعية القانونية الدولية بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية واتفاقية لاهاي واتفاقيات جنيف الأربع وغيرها تضع إسرائيل في مقدمة الدول التي تنتهك قوانين وقرارات الشرعية الدولية، وتضع قادتها على رأس مجرمي الحرب الذين يتوجب محاكمتهم حتى قبل تشكيل المحكمة الجنائية الدولية نهاية القرن الماضي، وذلك استنادًا بشكل خاص إلى تجاهلها لقرارات الأممالمتحدة واستمرارها في احتلال المناطق الفلسطينية والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية ولتماديها في انتهاك اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب وخاصةً الانتهاكات التي تصفها الاتفاقية بأنها حالات خرق خطيرة لأحكامها، التي أوضحت وفق قرار الأممالمتحدة رقم (43/58) في 6/12/1988 أن ما ترتكبه إسرائيل من حالات خرق خطيرة لأحكام تلك الاتفاقية ، هي جرائم حرب و إهانة للإنسانية. إصلاح فوضى القانون الدولي يتطلب أولاً إصلاح الخلل في مؤسسات النظام الدولي الجديد بدءًا من المحكمة الجنائية الدولية بوضع نهاية لسياسة ازدواجية المعايير!