كثيراً ما نردد الحديث عن حقوق المرأة، ولم نسمع من المرأة الحديث عن حقوق الرجل، وربما كان السبب لكون الرجل هو الولي الخاص، وهو القائم على الولايات العامة، والمسئول عن القطاعات الحكومية وحتى الأهلية والخيرية، ولذا من الطبيعي أن يكون الحديث منصباً من الجانب الأقوى إلى الجانب الأضعف، ولكن لا يعني هذا بأي حال من الأحوال إغفال حقوق الرجل، ولا يمكن إبعاد حقوق المرأة عن حقوق الرجل، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة والبنت، وليس من الطبيعة البشرية والمصلحة الإنسانية فضلاً عن المرجعية الدينية والقومية والوطنية أن يكون هناك خصام بين الجنسين، ولذا فلا بد من أن يكون التعامل فيما بينهما حسب الفطرة السوية والشريعة الإسلامية وهما المنصوص عليهما في الأنظمة واللوائح والتعليمات. المرأة والقضاء المرأة كالرجل تحتاج للمرفق القضائي سواء في خصومة أو إنهاء، وفي حق مدني أو جزائي أو أسري أو تجاري أو عمالي أو إداري، وبما أن المرأة مصانة والجميع يحرص على حشمتها وعدم الإساءة إليها، وتسهيل مهامها، فلذا وجب أن نبادر بالإطلاع على واقع المرأة في مرفق القضاء، ولا أعني هنا العلاقة مع القضاء والقضاة فقط، وإنما العلاقة مع المحكمة ودوائرها الإدارية، وعلى ذلك من حقوق المرأة لدى المحاكم أن تكرم شخصيتها، وتعطى حقها، عبر إحداث أقسام مستقلة بطواقم نسائية، تختص بالاستعلامات والاستقبال وقبول الأوراق من صحائف الدعوى والمواعيد، إضافة لمطابقة الهويات والمصادقة على صحتها، وجميع ما له علاقة بالمرأة، لأن غالب مراجعات النساء تكون في هذه الأقسام أكثر من المكاتب القضائية، ولذا وجب شرعاً أن تعطى المرأة حقها في هذا الجانب، وألا تحتك بالرجال من موظفين ومراجعين، وفي هذا تحصيل لحقها وحماية لعرضها، وتحقيق لمناط التزامنا بثوابتنا وأخلاقياتنا الإسلامية. المرأة والتوثيق للمرأة حاجات لدى كتابات العدل الأولى بالبيع والشراء للعقارات، ولدى كتابة العدل الثانية بإصدار الوكالات والتوثيقات، ولذا فقد لاحظت عند مراجعتي لكتابات العدل أن المرأة تختلط وربما تحتك بالرجال في السلالم والطرقات والكراسي وعند المداخل والمخارج، في حين أنه من حقها الشرعي وحماية لحشمتها وعرضها أن يكون هناك أقسام مستقلة بطواقم نسائية تستقبلها وجميع ما تحتاجه من استعلام وإحالة ومطابقة هوية، ولا يمنع في المستقبل أن يكون هناك كاتبات عدل مستقلات للنساء، حتى لا تضطر المرأة لمزاحمة الرجال في مراجعاتها لكتابات العدل، ومع قيامنا بحق المرأة فإننا بهذا سوف نحقق الكثير من المصالح الشرعية ونتلافى الكثير من المفاسد الواقعة، ولدينا الكثير من خريجات كليات الشريعة المؤهلات لهذه المهمة، وكما أننا نطالب بالفصل وعدم الاختلاط، ونكرر ذلك بشأن التعليم والصحة والعمل، ففي هذه كذلك، وهي وفق القواعد والقياس. المرأة والمحاماة تحدثت كثيراً عن هذا الجانب، لمعاصرتي العمل في السلك القضائي، ومشاهدتي للكثير من النساء اللاتي يحضرن كوكيلات عن نساء وحتى رجال، ويترافعن ويدافعن عن موكليهن، مع أن الكثير منهن لا يحملن المؤهلات الشرعية المعتادة لدى المحامين، ولا يمكن ضبطهن وربطهن بشكل يحقق المناط للحشمة وحماية الأعراض بسهولة، ولذا فالواقع فعلياً منذ القدم أن المرأة تقوم بعمل المحاماة ولكن بدون ترخيص، ولها حق الوكالة، وليس عليها واجب الالتزام المنصوص عليه في نظام المحاماة، وقد لاحظت بنفسي خلال الفترة الماضية حاجة المرأة لوكيلة تقوم بدورها، كما لاحظت بعض الأمور في علاقة الموكلات بالمحامين، ولذا فمن الحقوق فضلاً عن تحقيق مناط الحشمة وجلب المصالح ودرء المفاسد أن تمنح المرأة حق المحاماة عن النساء، وخصوصاً لدى محاكم الأحوال الشخصية، وهي ألحن بالحجة من الأصيلة، وأقدر على المرافعة والمدافعة، للمعرفة والخبرة من ناحية، ولعدم المؤثرات النفسية التي تعيشها الموكلة في العادة، وهو من باب الوقاية العدلية وحتى الأخلاقية. المرأة والتحكيم كما أن للمرأة الحق في وجود أقسام مستقلة بطواقم نسائية تخدمها في المحاكم وكتابات العدل، ووجود كاتبات عدل أولى وثانية للقيام بواجبهن، وكذلك في المحاماة لدى القطاع العدلي وغيره، فكذلك من باب القياس والأولى أن تمنح حق التحكيم والترخيص له، وخصوصاً في قضايا الأحوال الشخصية، وكما أن الشريعة جعلت لشهادة المرأة الأولوية في الرضاع ونحوه، فكذلك لها الحق فيما هو من شؤون المرأة، وإذا حصل نزاع بين امرأتين فتكون هذه المُحَكَّمة أقدر على الفصل في القضية، ولو كان أحد الطرفين رجلاً فتكون المحكمة من طرف الثانية، كقضايا الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وخلع وفسخ ونفقة وحضانة وولاية وزيارة ونحوه، وتفعيل هذا الدور للمرأة سوف يحقق الكثير من المصالح الشرعية ويدرأ الكثير من المفاسد والنزاعات القضائية. المرأة والصلح الكثير من القضايا تنتهي بالصلح، بل إن الذي ينتهي بالصلح يحقق المناط الشرعي والغرض الموضوعي في فصل الخصومات، لكونه يتم بقناعة الطرفين، بعكس المنتهي بالحكم القضائي، الذي يكون غالباً لصالح أحد الطرفين على الآخر، وأحياناً يكون باعتراض الطرفين، لكون أحدهما حكم له بأقل من دعواه، والآخر حكم عليه بما يعتقد عدم استحقاقه، وجميع هذا لا يقع عند الصلح، ولذا فتفعيل جانب المرأة في أقسام الصلح لتقوم بدورها في الجانب النسائي يحقق الكثير من المناطات الشرعية التي نطالب بها وفقاً لثوابتنا الدينية والأخلاقية. المرأة والولاية ولكن يبقى أن المرأة لا يحق لها الولاية القضائية حتى للقضايا النسائية من الجانبين، كما لا يحق لها توثيق النكاح كمأذونة، لأنه يتطلب حضورها مع الزوج والولي والشاهدين على الأقل، وليس هذا من ميادينها، وإنني لأعجب ممن يطرح هاتين المسألتين ونحن لم نصل لما قبلها من مراحل سابقة، ولذا فإن المطالبة بحق ليس للمرأة، سوف يثير الأمر بحيث يفوت به ما هو حق لها.