كتبت في هذه الصحيفة الغراء عن تحسن خدمات الركاب التي توفرها خطوطنا العربية السعودية في الآونة الأخيرة، وكان حديثي عن الخدمات الجوية من حيث انتظام مواعيد الرحلات إلى حد كبير، وتحسن مستوى الخدمة على الطائرة من حيث الوجبات والتعامل الحسن للملاحين مع الركاب، إضافة إلى خدمات الأمتعة واتساع المقاعد وتسيير أسطول جديد من الطائرات وغير ذلك. وأمام هذه القفزات اللافتة في الخدمات الجوية، نطمح لقفزات موازية في الخدمات الأرضية، ونعني بالخدمات الأرضية مكاتب الحجز والتذاكر، فبقدر تحسّن الخدمة على الطائرة، ساءت الخدمة في مكاتب الخطوط السعودية إلى حد كبير في السنة المنصرمة، وأنا أتحدث تحديداً عن مكاتب مدينة جدة التي يقع فيها المقر الرئيسي للمؤسسة. والملاحظ بادئ ذي بدء أن عدد هذه المكاتب يُقلَّص بدل أن يُزاد، بدل أن تنتشر المكاتب في كل أحياء المدينة. وقد أحدث إغلاق مكتب المبيعات والحجز في المطار القديم فراغاً كبيراً، ولم يملأ هذا الفراغ افتتاح مكتب الخالدية المكتظ والمزدحم ليلاً ونهارًا وليت كبار المسؤولين في (السعودية) يحاولون زيارة هذا المكتب في أي وقت حتى لو كان ذلك في أوقات الهدوء قبيل صلاة العصر مثلا ليروا كيف ينتظر المسافرون بالساعات الطوال، بما في ذلكم ركاب الدرجة الأولى وحملة بطاقات الفرسان الذهبية والفضية الذين لم يخصص لهم سوى موظف واحد وفي الفترة الصباحية فقط. علما بأن الكاونترات المخصصة للأولى والفرسان لا تتواجد إلا في مكتبي حراء والخالدية. وعليه لا يحس راكب الدرجة الأولى الذي يدفع أضعاف أضعاف قيمة التذكرة السياحية بأي خدمة خاصة أو معاملة متميزة تقدم له. أما مكتب الجامعة، فحدث ولا حرج، لا يجد فيه الناس مكانا للوقوف قبل مكان للجلوس، ويضطر الموظفون لإغلاق باب الدخول قبل الصلاة بوقت طويل، فترى المسافرين يتزاحمون بشكل غير حضاري ولا إنساني أمام المدخل ويقفون أوقات الصلاة لساعة أو أكثر في الشمس المحرقة بمن فيهم النساء إذ لا مكتب خاص بالنساء إلا في الخالدية. ودوام المكاتب قصير نسبياً، فلا يعمل في الفترة المسائية إلا مكتبا الخالدية والجامعة بينما يقتصر دوام مكتب سوق حراء الدولي على الفترة الصباحية، وهو منطق مقلوب، إذ يقع المكتب في قلب سوق مهم ودائم الحركة، وتزوره الناس بشكل خاص في المساء وليس في الصباح، ومن الأيسر عليهم أن يتسوقوا وينهوا إجراءات سفرهم في آن واحد، بدل أن يضطروا لترك أعمالهم والمجيء في الصباح. وسوى الانتظار الطويل بالساعات يعاني المسافرون كثيراً من سوء المعاملة من قبل الموظفين، ولم أحضر مرة لأي سبب في أي مكتب دون أن أشهد مشادة كلامية أو غيرها بين موظف وراكب ويتدخل الأمن فيها على الدوام. وأنا لا ألوم الموظفين المطحونين المقتولين في العمل المتواصل وتركيز العيون والعقل والأصابع على شاشة الحاسب لثماني ساعات متواصلة وأعلم عن أحد الموظفين من تلاميذي ممن فقد بصره بسبب هذا العمل الصعب المجهد للأعصاب والعيون، وليس لهم متنفس إلا وقت الصلاة لإراحة عيونهم وعقولهم من هذا الجهد المضني. فلا عجب أن يستثار الواحد منهم من أي مضايقة من أي راكب، كما لا ألوم الركاب المتشنجين المتوترين بعد انتظار ساعات ربما يكون بعضها في الشمس الحارقة، بل أعتب على خطوطنا السعودية التي لم توفر العدد الكافي من الموظفين وقبل ذلك العدد الكافي من المكاتب. أما ثالثة الأثافي وقاصمة الظهر والطامة الكبرى والحالقة في الخدمات الأرضية فهي النظام الحاسوبي الجديد New System الذي بادرت السعودية إلى تطبيقه قبل أن تعد نفسها إعداداً جيداً له، وقبل أن تدرب موظفيها بشكل كاف للتعامل معه، قبل شهور قليلة كان الموظفون قبل الركاب عاجزين عن إصدار بطاقات صعود الطائرة بالنظام الجديد وسافرت مراراً خلال تلك الفترة وكان عليّ الانتظار لساعة او أكثر لإصدار بطاقة صعود الطائرة أو أصدرها من المطار بعد انتظار ساعات وكنت أرى بأم عيني كيف يطبع الموظف البطاقات لي ولعائلتي ثم يعود ويمزقها ويصدر غيرها ويمزقها وهكذا لمرات ومرات حتى تستقيم بعد محاولات عدة في جدة والرياض ومكاتب أخرى. وحتى كتابة هذه السطور يعاني الركاب والموظفون من عدم إمكانية إعادة الإصدار (Reissue) لأي تذكرة لعدم وجود طريقة لها في النظام الجديد إلا أن تكون تذكرة بتذكرة. أقولها بصوت عال: لا نتمنى على الإطلاق أن تصل خدمات السعودية الأرضية لهذا المستوى وهي المؤسسة العريقة التي يمتد تاريخها لستين عاما وأن تتفوق عليها شركات نشأت في الأمس القريب.