لست واعظًا، ولا أمتلك موهبة الواعظ الذي يحرك القلوب من أماكنها.. أو بالأصح : يعيد القلوب إلى أماكنها الطبيعية. وكذلك أعلم أنه لا أحد يحب «النصيحة» المباشرة، فهي لا تمتلك جاذبية الأشياء الطريفة، ولا إثارة الأشياء الجريئة.. ومع هذا، سأواصل ما أريد أن أقوله لك عزيزي القارئ : سأحدثك عن هذا «الرجل» الذي كان يضع أذنه على بطن أمك محاولا التقاط أي حركة منك. سأحدثك عن هذا «الرجل» الذي أحبك قبل أن تأتي، وأحبك أكثر بعد أن أتيت. وكان يذرع ممرات المستشفى قلقًا عليك وانتظارًا لقدومك. سأحدثك عن هذا «الرجل» الذي كان ينحني أمامك بفرح لكي يربط حذاءك وهو يبتسم. سأحدثك عن هذا «الرجل» الذي كان يُصارع الحياة لكي يوفر لك الخبز. سأحدثك عن هذا «الرجل» الذي كانت تضيق بوجهه الدنيا؛ لأن حرارتك ارتفعت قليلاً. سأحدثك عن هذا «الرجل» : الذي ما يزال يحفظ أول كلمة نطقت بها. وما يزال يتذكر أول خطوة مشيتها، وتعثرت وكاد أن يسقط قلبه قبلك. ويتذكر أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة. ويتذكر انتباهته الأولى لهذا التغير في نبرة صوتك، ودخولك مرحلة «البلوغ» وفرحته لأنك أصبحت «رجلاً» ! هل عرفت هذا «الرجل» ؟... نعم.. إنه والدك. قل لي بربك : كيف فعلتها ؟! كيف استطعت أن ترمي هذا الرجل في «دار المسنين» ؟