أنظر فوقي متلهفًا مادًا رقبتي وخواطري، ساكنًا أترقبك أيها البدر العالي. استبشر لبزوغ حاجبك، ثم جفنك، وابتسم لظهور خدك. ثم أنتشي وتبيض أيامي عندما يكتمل وجهك في السماء. تذر من لؤلؤ حضورك فلا أمشي في ظلمة. ليلي بك يجاري نهاري والأشياء لا تنتظر الشمس. ثم تحتجب يا صاحب التاج وأديم العاج. يمضي موكب إطلالك عن الطبيعة والأوتار والغمام والأسحار وتغيب عني كي أفيق وأعود لحركتي وليل حياتي البهيم. تحتجب أيها البدر اللامع مشفقًا على كوكب بائس أن يذهل عن واجباته. تمضي مثلما بزغت، ببعض وجهك ثم بخدك ثم يختفي جفنك ثم حاجبك، رويدًا رويدًا لئلا يزيغ كوكبي جزعًا ويضيع أسى ويموت حسرة إن ذهبت بغتة. افتقدك يا بدري المشع الصافي وأغار من روّاد الفضاء. يا لعجبي من طيرانهم بيننا. يظنون أنهم عرفوك قبلي، واكتشفوا حقيقتك وملكوك. يا لجهلهم. لم يعرف حقيقتك غيري. المسافات لا تؤثر فينا؛ فمقاييس الجوارح غير مقاييس القلوب. مقاييس الجوارح جناية على ما بيننا. قد يكون القريب قاصيًا والبعيد قريبًا حميمًا. لا مسافة وأنت في عيني في كل زمان ومكان، في إطلالتك وفي احتجابك. كم أكره زعمهم بأن لك جانبًا مظلمًا. أرأيت؟ ما زادهم ادعاء القرب إلا ذهابًا لبصرهم وتطاولًا عليك. مهما انقضوا عليك ووزعوا صورهم ودلائل ارتباطهم بك، ومهما انتقصوا منك أيها البدر ونهشوا من أديمك لشكوكهم واختباراتهم فلا يغيّر من اشعاعك، فأنت كما أنت دائمًا لطيف مترفع مكتمل رائع.. كريم.. وجوانبك كلها شموع عطرة مضيئة لي. بدري الفاتن. أهيم ماشيًا متلذذًا بسحرك، مستنيرًا، بك مستأنسًا في وحدتي، متمنيًا أن تعرف أنني رائد غير روّاد الفضاء المفروضين علينا، أشفق عليك من تطفل مناظيرهم ومقاييسهم وأحكامهم ومن تطاولهم على صفحة وجهك النقية بآلاتهم القاسية وآرائهم الجافة وتوقعاتهم العقيمة، ومما غرسوا فيك من راياتهم وأوهامهم، ومن ظنونهم أن بأفعالهم يعلنون أنهم أهل لك وأولى بك، وأغير عليك من غيرهم، كأن النجوم الكاملة الحرة الكبيرة السابحة أحجار صغيرة ملقاة لتعبث بها أصابع البشر بحجج قاصرة. لا أشك بعد وقوفي السنين في حضرتك لا أتطاول كغيري أنك عرفتني رئدًا غير روّاد الفضاء المتهافتين، أفتقر إلى المركبة المناسبة فأعيش من أجل حلمي بأن أدنو منك لأكون خادمًا مطيعًا أضيف زينة على زينة وأفرش لك يداي وأنفاسي ووقتي وراحتي، وأزيل كل ما حولك إلا ما يجعلك مبتسمًا، ولكي أرى معك الثريا وأعيش بين النجوم. ما أجمل وأسخى الكون فهو لا يضيق بأحد. أيها البدر السامق. ليشك في نيتي وليجهل من يظنك كأي كوكب، فأنت عندي كما عرفتك مذ عرفت حياتي، ملاكًا مشرقًا فاتنًا كاملًا، كل ذرة فيك بدر، فأنت بدور في بدر وبدر في بدور، وسأبقى متطلعًا إليك معجبًا مخلصًا واجدًا منتظرًا، ولن يغيبني عنك إلا التراب، وعندها فسامح تقصيري عنك، واطمئناني أن في الكون الرحب العامر روّادًا مقتدرين يستحقونك وتستحقهم.