فتحت الوسائط التقنية الحديثة نوافذ جديدة للصحافة بمفهومها العصري شكلاً ومضموناً مرتكزة على السرعة المذهلة في نقل الخبر، والحصول على تداعياته سلبيةً كانت أم إيجابية، ناهيك عن بُعدها التام عن مقاص الرقابة، وتدني التكلفة المادية لإصدار الصحيفة الإلكترونية؛ مما يعني أن الرأي العام بدأ يعطي لهذا النمط من الصحافة مساحة من وقته وحواره، لتبدأ بعد ذلك مرحلة التبني لبعض الأطروحات التي تتناولها، والتعاطي مع وجهات النظر التي تتناولها على مدار الساعة إن لم يكن أقل من ذلك. من المؤكد أن ضوابط المهنة - سواءً كانت في الصحافة الورقية أم الإلكترونية - لا تختلف لأن ميثاق الشرف لهذه المهنة الكبيرة - مكانة وتأثيراً - ينطلق من كون رأس مالها: كلمة شرف، ووسيلتها البحث عن الحقيقة، وغايتها المصداقية، مع أهمية إعطائها هامشاً من الحرية للقيام بدورها المؤمل منها والمتمثل في التأثير على الرأي العام للمجتمع، وتسليط الضوء على النماذج الإيجابية بهدف تعزيزها وإبرازها للاستفادة منها في مواقع أخرى، وأيضاً الكشف عن السلبيات التي تغتال الجهود المبذولة وتقديم الحلول عن طريق استكتاب أهل الاختصاص وقادة الفكر والرأي؛ آخذة في الاعتبار التركيز على الحدث ذاته دون التشهير بالأسماء المسببة للحدث. ولكن المتتبع للصحافة الإلكترونية يرى أنها تُجدِّف عكس التيار، مُستغلة المحفزات المعطاة لها والمتمثلة في - بُعدها عن مقص الرقيب، وتدني كُلفة إصدارها - في التعاطي السلبي مع الأحداث في غياب كبير عن الالتزام بميثاق شرف المهنة، ويعود ذلك إلى عدم امتلاك القائمين عليها – إلا من رحم الله - لأبجديات الصحافة، وتباين النظر إليها والإيمان بدورها؛ فالصحفي الذي ينظر لها كمهنة ذات رسالة قيمية وأهداف نبيلة يختلف تماماً عن نظيره الذي امتطاها كوسيلة للكسب المادي وتحقيق مكاسب شخصية، قطعاً يختلفان في المبادئ والمنطلقات، وبالتالي في الممارسات والغايات، الأمر الذي أوقع هذا النمط الصحفي في فخ السلبية والإثارة المفتعلة التي لا تخدم الطرح، بقدر ما تؤدي إلى تزييف الحقائق، وتغييب دورها الإيجابي في البحث عن دوافعه ومُسبباته. إن الدور المأمول للصحافة الإلكترونية – كمهنة – يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمعالجة ما يعاني منه المجتمع من صعوبات ومُعوِّقات في جميع المجالات من خلال دراستها واستطلاع آراء الخبراء – كلٌ فيما يخصه – وتدعيم تلك المعالجات بالبيانات والإحصاءات الدقيقة من أجل إيجاد حلول عملية لها، على اعتبار أنها تتوجه - بكل هذا - إلى مُختلف شرائح المجتمع بتبايناتها الفكرية وانتماءاتها المذهبية، ويُشْتَرط عند القيام بهذا الدور التثبُّت من مِصداقية الخبر لكي لا تُرسِخ في الذهنية المجتمعية المقولة السائرة في الثقافة الشعبية بأن ما يُنشر في الصحف لا يعدو كونَه كلام جرائد. تساؤل: لماذا هذا الصمت حيال فوضى الصحافة الإلكترونية ؟