• أنا يا سيدي القارئ وسيدتي القارئة فتى عاش في ضمة التعب يوم كان البحر الحصار وفرسان العزلة، يوم كانت الحياة كلها لا تعني لي شيئا سوى اللهو البريء وبكل أمانة أقولها لكم عن أن لحصار البحر وللفقر دورا في تربيتي وجيلي المتعب، جيلي الذي كان يرى القرش الكنز والقرشين الغاية، تلك الأيام التي ذهبت لم تكن جهمة فقط بل كانت كالحة بقوة إلا أنها أدبتنا جدا ودفعت بنا لميادين السبق والتفوق، تلك الأيام كان للحمار فيها قيمة ومكانة عند الأغنياء المترفين وكانت الأقدام بالنسبة للفقراء لغة السير التي تعبر بهم آمنين من قرية إلى قرية مجاورة ومن مكان إلى مكان!. • اليوم أصبحت فرسان المدينة الحالمة بعد أن كانت الجزر النائية وكل ذلك بفضل الله ثم بفضل رعاية حكومتنا الحريصة على تعميم الرخاء ومن يصدق لو قلت لكم إنني وأمي وأبي عشنا رحلة في قارب شراعي من فرسان إلى جازان استمرت لثلاثة أيام وكنت أراهم يبكون وأضحك وأسمعهم يذكرون الله وأنام لأنني كنت طفلا لا يهتم بغير طفولته ولا يفكر في الموت لحظة، تلك الأيام ذهبت بعد أن زارنا حبيب فرسان كلها الأمير نايف بن عبدالعزيز، هذا الرجل الذي حضر معنا متاعبنا ومآسينا في السفر من فرسان وفي الوصول إليها ومن تلك الأيام أذكر أستاذي إبراهيم عبدالله مفتاح وقصيدته تلك التي أبكت عيون نايف الإنسان يوم قال له ( والعفو يا سيدي ميناؤنا انهدمت ...وكيف نغدو إذا ما انهارت المينا ...مريضنا كم تلوى من تألمه.. والحل جازان أو موت على المينا) ...تلك القصيدة التي اختصرت مآسينا كلها وحققت أحلام الفرسانيين لتصبح اليوم فرسان الفرح والتاريخ ولأن للفقر علاقة بأدب الحياة التي كانت بسيطة، لكنها كانت حياة حريصة على سلامة الآخرين، هذه الحياة التي غابت اليوم في ظل الترف والدلال الذي يأتي من خلال الأمهات العاملات وحرصهن على تدليل أطفالهن وتقديم الموت لهم في هيئة هدية لتصبح السيارة الآلة التي قتلت ورملت أسرا كثيرة في حوادث متتالية، السيارة التي حولت الحياة إلى خوف وجعلت الرصيف المكان غير الآمن للمشاة، أرأيتم كيف تصبح السيارة القنبلة والموت الأحمر حين يقودها طفل متهور بسرعة تتجاوز 200كم في الساعة أرأيتم كيف تكون نهايات الدلال مؤلمة؟!. • خاتمة الهمزة ..أرفعها لمن يهمه أمر الحياة والسلامة للوطن بأسره عن حكايات موت الفرسانيين وكثرة الحوادث التي غيبت الكثير من الأسماء وهي ما تزال تشطب في كل شهر اسمين أو ثلاثة أو أكثر من سجل الحياة في ظل غياب المرور وقبله الضمير .. ما أتمناه هو أن أتناول في مقال آخر كل الحكايات والروايات عن هدايا الأمهات القاتلة ولضيق المساحة أودعكم لنلتقي قريبا... هذه خاتمتي ودمتم. [email protected]