كنت من اوائل من سعدوا ببشرى توجيه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكةالمكرمة بتسمية حديقة مناسبة باسم “شباب جدة”، حين وجّهنا نحن رئيس وأعضاء لجنة تسمية الشوارع والميادين بمحافظة جدة باختيار حديقة مناسبة يطلق عليها اسم “حديقة شباب جدة” وليس هذا فحسب بل وجّه سموه الكريم بتسمية ميدان مناسب كذلك قريب من الحديقة بالاسم نفسه هذه التوجيهات الكريمة تلقيناها خلال الاجتماع التأريخي لسموه مع لجنة التسمية في مقر الإمارة بجدة في 25/6/1431ه بحضور معالي أمين محافظة جدة المهندس عادل فقيه، ومعالي رئيس لجنة التسمية الاستاذ الدكتور عبدالاله باناجه واعضاء اللجنة. ولحظنا في هذا الاجتماع اعجاب سموه الشديد بهذه الثّلة من المتطوعين من شبان وشابات جدة الذين حقّ للمسؤولين والمواطنين والمقيمين جميعاً ان يفخروا بهم أيما فخر بعد ما اثبتوا صدق انتمائهم لوطنهم ومدينتهم الحبيبة، وبادروا من عند انفسهم بنجدة اخوتهم واخواتهم المتضررين من موجة السيول التي عصفت بجدة نهاية العام الماضي، وأتت على الكثير من الممتلكات والمساكن والمركبات وأزهقت الكثير من الارواح وشردت مئات الأسر في جنوبجدة وشرقها فشمّر هؤلاء الشباب عن سواعد الجد وباشروا في جمع التبرعات والمساعدات الغذائية والكسائية والدوائية ووزعوها على مستحقيها في دقة متناهية وتنظيم باهر، لا يطلبون في ذلك الا الاجر والثواب ومرضاة الله تعالى، ولا يسعون إلى رياء أو سمعة بل إلى القيام بواجبهم الديني والوطني تجاه اخوتهم واخواتهم الذين عضّهم السيل بنابه وخرّب ديارهم وبدد أموالهم وقضى على كثير من اهليهم وذويهم. هؤلاء الشباب لا شك مستحقون للتقدير والعرفان، وكانت هذه المحنة والنازلة اشبه بابتلاء واختبار لهم يريده الله، فطالما وُسِموا بالاستهتار ووصِمُوا باللامبالاة، وكثر ما حكم عليهم من خلال مظاهرهم الخارجية وملبسهم وهيئتهم حتى انطبق عليهم قول الشاعر: ترى الرجل النحيل فتزدريه وفي اثوابه أسد هصور أطلق سمو الأمير خالد الفيصل توجيهاته الكريمة في الاجتماع الذي أشرت إليه، وبعد أسابيع قليلة تلقيت من سموه الكريم كما تلقى سواي من المشتغلين بالعلم والفكر والثقافة دعوة شخصية كريمة من سموه لحضور حفل التكريم الكبير لكل المتطوعين والمتطوعات من شباب جدة الذين كانت لهم جهود مشكورة في نجدة اخوانهم واخواتهم المتضررين من سيول جدة. وانعقد هذا الحفل الكبير باستاد الأمير عبدالله الفيصل بجدة ليلة الأربعاء 18/7/1431ه برعاية سموه الكريم وتشريف صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز محافظ جدة وأصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء، وحضور مئات من المثقفين ورجالات المجتمع، إضافة إلى ما يقرب من خمسة الاف من المكرمين والمكرمات، غصت بهم الصالة المغلقة. وكان الحفل حميمياً بكل ما تعنيه كلمة الحميمية، بل كان تظاهرة وطنية حقيقية، تبدت فيها كل مظاهر اللحمة الصادقة بين المسؤولين والمواطنين إذ لم يتوقف الهتاف باسم «خالد» للحظة واحدة، مصحوباً بانشاد النشيد الوطني والاهازيج الوطنية التي تتغنى بالمليك والوطن. لذا كان طبيعياً ان يخاطب الأمير المحتفى بهم بعبارات شرفتموني.. انتم فرحة عبدالله، وبسمة سلطان، وقرة عين نايف». هكذا بدأ الأمير المحبوب خطابه لهؤلاء الشباب المخلصين، وختم حديثه بقوله لهم: «لكم حياتي»، وسألني اخ يجلس إلى جانبي: هل قال الأمير: «لكم تحياتي»؟، قلت لا، بل قال: «لكم حياتي»، سمعتها بأم أذني، وما أعظمها من كلمة خرجت من القلب لتصل إلى كل القلوب، وما بين المقدمة الآسرة إلى الخاتمة الساحرة، وباسلوبه العربي الرشيق، ولغته الشاعرية الفخيمة، زفّ الأمير لأحبابه الشباب بشرى اطلاق اسم «شباب جدة» على اكبر حديقة في شرق جدة على ان تضم الحديقة أسماءهم جميعاً بشكل فني مناسب. وتجاوباً مع صخبهم وتهليلهم وفرحتهم قال الأمير بصوت مرتفع: «تستاهلوا أكثر». تضمن الحفل فقرات عدة رشيقة ومعبرة وصادقة رسمت فداحة المأساة وصاحبت ذلك بعظم ما امر به خادم الحرمين الشريفين باجراء التحقيقات المناسبة وصرف التعويضات المجزية، وبينت متابعة أمير مكة اليومية الميدانية لمجريات الأمور منذ اللحظة الأولى وحتى هذه اللحظة. كما وضحت أفلام عرضت جهود المتطوعين والمتطوعات على مدار اليوم والليلة شيباً وشباناً واطفالاً ومقعدين وأصحاء، لتقديم المساعدات للمتضررين ومن أجمل ما عرض فيلم تسجيلي يصوّر وقوف المقيمين الكرام مع المواطنين في هذه المحنة يتقدمهم الشهيد الباكستاني (فرمان) الذي كان يربط بجسده الغرقى ويخرجهم من اليمّ حتى أنقذ أربع عشرة نفساً قبل ان يقضي شهيداً. إضافة إلى اخوة برماويين وافارقة ويمنيين وسواهم، مع مقيمين غربيين لم يتوانوا عن مد يد العون والمساندة ومنهم متطوع كندي. لقد تحوّلت هذه «المحنة» بفضل الله تعالى إلى «منحة» ثم بفضل قادة هذه البلاد المسلمة يتقدمهم قائد مسيرتها وباني نهضتها عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني، ومهندس هذه المنحة من يقود منطقة مكةالمكرمة نحو العالم الأول وهو سمو الأمير خالد الفيصل وفقه الله.