يفرح المواطن عندما يسمع عن اعتماد مشروع مهم كبناء مستشفى، أو تشييد مطار، أو البدء في تحسين الطرق في داخل المدن من خلال أنفاق أو جسور معلّقة تهدف إلى فك الاختناقات المرورية، وتسهّل حركة الاقتصاد في البلد بصفة عامة، ولكن ذلك الفرح يُصاب بالإحباط عندما يعيش المعاناة من بداية المشروع الذي يطول الانتظار لإنجازه! هذا مدخل لطرح عدد من الأسئلة التي تتكرر في أذهان الناس، ولا تخلو مجالسهم من تكرارها. والسبب في ذلك أنها تمس حياتهم اليومية بشكل مباشر، ومن الصعب تجنبها إلى حد أن الكثيرين حلّ بهم اليأس من إمكانية تغيير وتيرة تأخير تنفيذ المشاريع لأسباب يحتار الإنسان في معرفتها. فإذا كان المشروع معتمدًا من الجهات المعنية، ونزل في مناقصة عامة، وتم إرساؤه على مقاول معيّن، ويفترض أن العقد يشمل التكاليف والمدة الزمنية للتنفيذ والغرامات المترتبة على تأخير التنفيذ! فلماذا كل هذا التأخير الذي يخنق الحياة في المدن، ويعيق أداء الاقتصاد الوطني؟! * هناك مَن يقول بأن المتسبب الرئيسي في التأخير وزارة المالية، وهذا منطق غير مقبول؛ لأن الأموال المطلوبة لتنفيذ المشروع يتم اعتمادها قبل الترسية على المقاول أو الشركة المنفذة. * وهناك مَن يدّعي بأن المقاولين هم السبب في التأخير، وهذا أيضًا يجب توضيحه، حيث إن المقاول يجب أن يتم تأهيله قبل تسليمه مشاريع حساسة يترتب على تأخيرها إعاقة لأمور كثيرة تؤثر على حياة الناس، وتنعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني. * ورأي آخر يقول إن المقاولين من الباطن هم السبب، حيث يتم ترسية المشروع بمبالغ فلكية على مقاول كبير، ومن بعد يتعاقد على التنفيذ لمقاول من الباطن بأسعار متواضعة، وإمكانيات محدودة، تتسبب في تأخير التنفيذ. * والإشراف وما أدراك ما الإشراف على تنفيذ المشاريع، يا ترى مَن المسؤول عن مراقبة الجودة والالتزام بتنفيذ المواصفات المنصوص عليها في العقد؟ * كما أن الجانب المهني قد يكون عنصرًا معيقًا أيضًا، وهنا يجب السؤال عن دور هيئة المهندسين أم أن مهامها بروتوكولية لا تمس الجانب المهني الذي قد يكون من الأسباب الرئيسية في تأخير المشاريع، مثلما حصل في مشروع تقاطع (طريق الملك فهد - شارع الستين) مع شارع فلسطين بمدينة جدة، ولكن لا أحد يتكلّم عن هذا الجانب حفاظًا على أسرار المهنة وخصوصياتها! * وبالعودة إلى عنوان المقال الذي يهدف إلى التركيز على أهمية كفاءة الاقتصاد الوطني الذي نسمع باستمرار من معالي وزير المالية، ومعالي محافظ مؤسسة النقد، بأن اقتصاد المملكة يسير حسب الخطط المرسومة له، وأن عافيته لا جدال فيها، وأن ما يحصل في العالم لن يؤثر علينا، نفرح ونتعجب! كيف يمكن لأكبر دولة مصدرة للطاقة في العالم تجنب الزلازل التي يمر بها الاقتصاد العالمي منذ بداية العام الماضي، ولازال الكل يترقب تداعياتها، ومع ذلك تبقى في منأى عن ما يحصل عالميًّا! * إن المراقب الحذر يعتريه القلق من تأخير تنفيذ المشاريع الهامة في المملكة، ويربط بين ذلك التأخير الذي لا نسمع له مبررات مقنعة، وبين ما يتعرض له الاقتصاد العالمي الذي المملكة جزء منه. وأختم بالقول إننا بحاجة إلى قدر أعلى من الشفافية عن الأداء الحقيقي للاقتصاد الوطني، وما يترتب على تأخير مشاريع حساسة يفترض أن يشكّل وجودها روافد إيجابية لأوردة الدخل القومي، وتحد من الاعتماد على منتج واحد - البترول- خاصة وأن التحكم في الأسعار وعملة البيع في أيدٍ لها إستراتيجياتها الخاصة، وأولوياتها تختلف عن أولوياتنا التي ترتكز على استكمال البنية التحتية، والتنمية المستدامة، وتنويع مصادر الدخل القومي.. والله من وراء القصد.