استعمل كثير من الفنانين التشكيليين العرب الحرف العربي بكل أشكاله وصوره داخل نصوصهم البصرية، حتى إن بعضًا منهم (كما يذكر الدكتور راتب الغوثاني) نراه قد لجأ إلى الكتابة من خلال التداخل بين النصوص والتخطيطات أو ضمن تشكيلات زخرفية تضفي على اللوحة مضمونًا أدبيًّا وجماليًّا في ذات الوقت. فضلاً عن استلهام مجموعة من التشكيليين العرب للتراث التصويري من منظور جديد أو إدخال المنمنمات بوصفها تصويرًا عربيًّا يستمد مقوماته من الأشكال الزخرفية والخطية. والمتابع لأعمال التشكيلي السعودي ناصر الموسى يجد أن حروفه تؤكد خصوصيته، فبعد أن كانت هذه الحروف ظاهرة في بدايات توظيفه الحرف العربي داخل نصوصه البصرية، والتي صنفها الناقد شربل داغر ضمن “اللوحة الحرف”، نجد أن لها أصواتًا مموسقة نستطيع أن نستمتع بها عندما ننصت لها جيدًا، ويتحقق ذلك في تجربته “للحرف صوت” والذي عرضها في المعرض الشخصي رقم 11 في الطائف، ثم تحوّلت هذه الأصوات إلى همس في تجربته التي عرضها، ضمن معرضه رقم 12 في جدة، إذ نجد حروفه تهمس على إيقاع حروف الهمس العشرة “الهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والشين، والصاد، والتاء، والسين، والثاء، والظاء”، كما في المحكم. ولأن الهمس يعني “الخفي من الصوت” عند ابن منظور؛ فقد كانت حروف الموسى في نصوصه البصرية مهموسة لا يفهمها إلاَّ من التصق بها. وفي تجربته الأخيرة التي عنونها ب“الله أكبر”، وعرضها في معرضه رقم 13 بمركز الأمير فيصل بن فهد للفنون التشكيلية بالرياض، ورعاها نيابة عن وزير الثقافة والإعلام رئيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون الدكتور عبد العزيز السبيل، فنجد حروفه تردد بصوت عالٍ “الله أكبر” لتملأ المكان بتكبير يتردد صوته في أصقاع قاعة العرض في أكثر من (130) لوحة تشكيلية منفذة بخامات متعددة وأساليب فنية معاصرة تدور موضوعاتها حول التكبير بأشكال وألوان مختلفة. وعن قصة اختيار اسم المعرض ذكر الموسى بأن إحدى لوحاته التي رسمها عام 1404ه كان اسمها “الله أكبر”، ثمّ تكرر الاسم في لوحة أخرى شارك بها في المعرض التشكيلي السعودي بلندن، وبعد وفاة والدته، ومن ثم شقيقه زاد تعلقه بهذه الكلمة فأصبحت موضوع تجربته الحالية. بينما يقول الدكتور عبدالعزيز السبيّل عن تجربة الموسى: “الحقيقة نحن أمام معرض متميز أشعر أنه يأتي كإضافة لمسيرة الفن التشكيلي السعودي، الموسى فنان متمكن من أدواته الفنية، ويحمل رؤية مبكرة ربما لا يشاركه فيها كثيرون. وفي مرحلة سابقة كانت الحروفية لديه مسألة أساسية في تشكيل اللوحة، ممّا جعل أعماله مرتبطة بالتراث والمكان والإرث العربي والإسلامي بشكل عام. توج الموسى تجربته بهذا المعرض الذي يحمل عنوان “الله أكبر” هذه الكلمة العظيمة التي نجح الموسى في توظيفها بشكل متميز في لوحاته، وبرؤى مختلفة من حيث الخامة أو لعبة الألوان فأصبحت لكل لوحة حالة نفسية معينة يستطيع كل متلقٍ أن يعيشها حسب رؤيته الخاصة”. هذه الحروف أصبحت رؤيتها بعيدة المنال -كما يقول الناقد الدكتور محمد عبدالمجيد فضل- فهي ترتحل لتترك ظلالها أو آثارها على سطح اللوحة، وفي أعمال أخرى نجد أعماله تستعصي على التأطير، فاستمرت في انسيابها من فوق الإطار لتنقل المتلقي إلى آفاق أرحب تتسم باللانهائية. بقي أن نذكر بأن الموسى من مواليد الدلم في الخرج، ويحمل بكالوريوس التربية الفنية من كلية المعلمين في الرياض، ويعمل أخصائي تربية فنية بوزارة التربية والتعليم، ويشغل حاليًا منصب الأمين العام للجمعية السعودية للفنون التشكيلية “جسفت”، وله مشاركات في كثير من المعارض المحلية والدولية، امتدت لأكثر من 27 سنة، تحصل من خلالها على كثير من الجوائز والتي من أهمها: الجائزة الدولية الرابعة في مسابقة الفنون بالرياض، الجائزة الأولى في معرض “الفن السعودي المعاصر الثامن عشر”، جائزة “الدانة الذهبية” في معرض 25 فبراير مرتين، الميدالية الذهبية في مهرجان “المحرس التشكيلي” بتونس.