تجتاح العالم هذه الأيام نشوة كرة القدم فلا يكاد يخلو بيت أو مجلس للكبار أو الصغار من الحديث عن عجائب المجنونة وغرائبها ومفاجآتها وكيف أن دولة مثل كوريا الشمالية أزاحت المملكة العربية السعودية عن طريقها لتصل إلى جنوب إفريقيا ثم تستقبل سبعة أهداف نظيفة من البرتغال ويا ليتها زادت لكي نتنازل للكوريين الشماليين بكل رحابة صدر عن الرقم القياسي التاريخي الذي أنجزه منتخبنا بالثمانية الشهيرة من الألمان، وكيف أن عمالقة مثل فرنسا وإيطاليا قد خرجوا يجرون أذيال الخيبة ويواجهون الرأي العام في بلادهم الذي اتهمهم بالخذلان والتقصير. بعض الدول لم تكن تستحق التأهل مثل كوريا الشمالية التي استقبلت أكبر عدد من الأهداف في مرماها ومثل الجزائر التي أخفقت في أن تسجل هدفاً واحداً في ثلاث مباريات ولو كانت العصا وتكميم الأفواه ومنع الانتقاد والاستئثار بحق القيادة والتوجيه، لو كانت هذه العناصر تؤهل للفوز لكان من المرجح أن تحرز كوريا الشمالية البطولة المطلقة، ولكن نظرة واحدة إلى منتخبي كوريا الجنوبية أو اليابان المجاورتين تبين أن النجاح في أي ميدان حتى لو كان لعبة لا يتحقق بغير العمل المنهجي المنظم والمحاسبة على النتائج والحرية في التعبير عن الرأي وتقويم المستويات والتداول على السلطة على كل المستويات. ثم انظروا إلى منتخبي دولتين لم يكن لهما وجود يذكر في مسابقات كأس العالم قبل جيل واحد فقط وهما اليابانوالولاياتالمتحدة، فقبل حوالى أربعين عاماً قرر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الدكتور هنري كيسنجر أن كرة القدم عنصر من عناصر السياسة الخارجية وأن الولاياتالمتحدة ينبغي ألا تغيب عن محفل دولي هام مثل كأس العالم وبدأ في تنفيذ خطة استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى أن تصبح أمريكا منافساً قوياً في بطولات كأس العالم في خلال جيل واحد. وها هي أمريكا تنهي الدور الأول من هذه البطولة وهي على رأس مجموعتها ثم حذت اليابان حذو أمريكا بعدها بسنوات قليلة وإذا بها اليوم تصل وتنافس وتوصف بأنها قد أصبحت برازيل آسيا. ثم تابعوا كيف ستتعامل فرنسا أو ايطاليا مع خروجهما المخزي من هذه البطولة وهل سوف تتمسكان بالسياسات والأفراد والقيادات واللاعبين أنفسهم أم أنهما سوف يجريان المراجعة الحقيقية المسؤولة ويقومان واقعهما ثم يقومانه ويتقدمان إلى ريو دي جانيرو في عام 2014 م بفريق جديد متوثب يعكس الصورة الحقيقية لمكانة هذين البلدين في تاريخ كرة القدم. لا يمكن الحديث عن كرة القدم دون الإشارة إلى منتخب السامبا الذي سبقت مكانته الكروية إنجازات بلاده على الصعيد السياسي والاقتصادي، وفي حديث لي مع صديق برازيلي عقب فوزهم 2/1 على كوريا الشمالية قلت له إن هذا الفوز لم يكن مقنعاً، قال لي إن مشكلة البرازيل اليوم هي أن الناس لم يعودوا يكتفون بتوقع الفوز منها بل إنهم ينتظرون الأهداف الوفيرة والأداء الممتع مما يجعل البرازيل تخضع لمستوى من التوقعات والتقويم أعلى مما تتعرض له بقية الفرق.. قلت له هذه يا صديقي هي ضريبة النجاح والتميز.