ازداد الإقبال في الآونة الأخيرة على قراءة الروايات وصار الكثير من الشباب والفتيات يتهافتون على قراءتها واقتنائها مما رفع عدة أسئلة حول التأثير الذي يمكن أن تتركه هذه الروايات في وعي الشباب وقناعاتهم، لاسيما وأن كثيراً من الروايات المطروحة في المكتبات حالياً يصادم قيم المجتمع وثوابت الدين، الرسالة فتحت هذا الملف ووضعت بعض الأسئلة على طاولة الروائيين حول أثر الرواية وكيفية التأكد من تناسقها مع القيم والأخلاق، فأفادوا بالتالي: الثراء المعرفي بداية يقول الكاتب صلاح القرشي: لا أعتقد أن المطلوب من الرواية "أي رواية" أن تقوم بدور وعظي مباشر، وإنما قيمتها في الأثر الذي تتركه. الاهتمام بقراءة الروايات يساهم في تراكم الخبرات والوعي والثراء المعرفي لدى القارئ وبالتالي فهذه القراءة تمنح صاحبها دائماً رؤية أبعد وأوسع وأكثر اتزاناً ومعرفة. نحن من خلال قراءة الروايات كأنما نعش عدة حيوات في آن واحد، فنسكن أدغال أفريقيا أحياناً ثم ننتقل للعيش في أصقاع أمريكا الجنوبية ثم نهاجر إلى الصين واليابان. كل هذا سيساهم في خلق شخصية واعية وأكثر عمقاً ومعرفة. وفي النهاية فالأمر يتعلق بذوق القراء حيث أنه مع تراكم القراءة فإن القارئ سينجذب للقراءة الجادة وللرواية ذات القيمة الجمالية والفنية . ومضى القرشي قائلاً: بالتأكيد فإن الرواية تهيمن على القراء في كل أنحاء العالم ويبدو لي أن السبب يكمن في قدرة هذا الفن على استيعاب الكثير من الفنون بداخله. الفن الروائي فن مراوغ لا يمكن تسطيره بقوانين أو أشكال، ولهذا فهو فالمنجز الروائي القادر دائماً على إرضاء جميع الأذواق. الرواية كجنس أدبي لها أثر في تشكيل وعي الشباب، وكما أجبت سابقاً، قراءة الرواية تمنح الإنسان الكثير من الخبرات وكأنه عاش أكثر من عمر وأكثر من حياة وأكثر من تجربة، وبكل تأكيد فإن هذا يسهم وبقوة في تشكيل الوعي ومنح الشخص القارئ أفقاً أوسع وبعداً إنسانياً أشمل. وختم القرشي قائلاً: على الروائي أن يكتب بمعزل تام عما يمكن أن تحدثه روايته من أثر أو تجاوز, أثناء الكتابة لا يجب أن ينشغل الروائي بأي أمر خارجها لأنه لو وقع في هذا الفخ فإن النص المكتوب سيفقد الكثير من الصدق الفني وتقتله الصنعة. الفارق في المفاهيم من جانبه يوضح علوان السهيمي الروائي السعودي أن الأثر الذي تحدثه الرواية على المفاهيم والأخلاق سلباً وإيجاباً يختلف من شخص لآخر، ويقول: الرواية مثلها مثل أي منتج إنساني آخر كالسينما، والموسيقى، والمسرح، تؤثر على المفاهيم والأخلاق بشكل كبير، أو لنكن أكثر دقة ونقول بأن الوظيفة الأساسية لمثل هذه النتاج الإنساني هي التأثير على أخلاق البشر ومفاهيمهم وإحداث فارق في المفاهيم والأخلاق بغض النظر عن سلبية هذا التأثير وإيجابيته، لكن مدى التأثير من ناحية سلبيته وإيجابيته يختلف من شخص لآخر، وتقييم التأثير سواء سلباً أو إيجاباً ينبع من فكر المجتمع نفسه ومدى وعيه، وأتصور بأن الرواية في المملكة كانت تحمل تأثيراً إيجابياً في المجمل، وهذا لا يعني أن كل ما تطرحه إيجاباً، ربما هنالك جوانب سلبية لكن التأثير الإيجابي هو السائد على المشهد الروائي في المملكة، فالرواية في المملكة هي التي ساهمت بشكل كبير في رفع وعي الناس، وساهمت في ازدياد معدل القراءة، وساهمت أيضاً في الكشف عن كثير من الأشياء السلبية في مجتمعنا وتعريتها وطرح الأسئلة حولها، وتفتيح مدارك القراء حول كثير من المسلمات التي كانت جزءاً من حياتنا فيما مضى، ليكتشف القارئ أن مثل هذه الأشياء كان من المفترض أن نعيد قراءتها بشكل أكثر وعياً، وأكثر دقة. البحث عن الحلول وأوضح السهيمي إن أهم ما يميّز الرواية ويجعلها النوع الكتابي الأكثر انتشاراً بين القراء هو أنها تصوّر للناس حياتهم وتكتبهم وتعريهم، أي أنها تأتي على أجزء حميمية من حياتهم وتطبعها، فالإنسان يخشى أن يقرأ نفسه بين دفتي كتاب دائماً، فالفضول هو ما يدفعنا للقراءة بدءا، بالإضافة إلى أنها ذات طابع تشويقي، نادراً ما نشعر معها بالملل، لأن الحكايات سلوى الأنفس، والميزة المهمة جداً في عالم الرواية هي أنها لا تفرض الحلول مطلقاً، بل تكثر من طرح الأسئلة، وهي التي تعطي المتلقي فرصة لإيجاد الحلول، ولا تفرض عليها حلولاً معينة ككثير من أنواع الكتابة، أي أنها لا توجّه القراء وهذا ما يرفضه الكثير من الناس، فالكتاب القادر على إعطاء مساحة لأن تجد الحلول، وأن تفكر، هو الكتاب الأجدر بك قراءته، وفي تصوري هذا ما تصنعه بنا الرواية. وأوضح السهيمي أنه إن لم يكن للرواية هذا التأثير على مستوى وعي الشباب والأفراد بصفة عامة فماذا يمكن أن يؤثر عليهم؟ وقال: أتصور بأن المنتج الأكثر تأثيراً على الشباب في الوقت الراهن هي السينما، ونظرا لأن السينما غائبة عن بلادنا فالرواية هي المتسيّدة على مشهد التأثير الاجتماعي في بلادنا بكل جدارة. وأضاف السهيمي قائلاً: كل الروائيين هم أناس متجاوزون في اعتقادي، لأنك حينما تكون روائياً فأنت تنتقل من كونك إنسان عادي إلى شخص يحدد مصائر أبطاله على الورق، وهذا ما يجعلك متجاوزاً، وثمة أمر أكثر أهميّة في هذا الفن، وهو أن كتابة الرواية يعني كتابة الحياة، وكتابة الحياة ليست أمرا سهلا في مفهومها العميق، لأنك حينما تكتب حياة الناس فأنت تضعها أمامهم ليشاهدوها من بعيد، ليتأملوها بطريقة مثيرة ليتأكدوا بأن الروائي ليس كاتبا وكفى، فالإنسان لا يخشى إلا أن تكون حياته الغامضة مدونة بين دفتي كتاب، وهذا ما يفعله الروائيون، فليس ثمة روائي متجاوز وروائي غير متجاوز فكلهم متجاوزون في رواياتهم. العلاقة المتبادلة من جنب آخر يقول ماجد الجارد الكتاب الروائي المعروف: الرواية فن يقع على تخوم المتخيل والواقع. مترع بالمعرفة. يطرح الأسئلة حول الإنسان ووجوده وحلمه وأمله وألمه في تقاطع مستمر مع اليومي والواقعي. ولذالك أتسائل: هل الكاتب مرآة لمجتمعه؟ أم المجتمع مرآة تعكس الكاتب؟ يصعب علينا تحديد أيهما الذي يعكس صورة الآخر ويهيمن عليه. وهذا لطبيعة العلاقة المتبادلة والجدلية بين الكاتب والمجتمع, فالكاتب حين يبدع روايته فإنها تنبع من فكره وتأمله وتجربته ورؤاه, أيضا في نفس الوقت هو فرد منتمي ونسيج متداخل مع مجتمعه. ألم يقولوا (الإنسان ابن بيئته)؟ فالروائي ابنها الذي يكتبها. هنا تظهر أهمية الرواية التفاعلية والخصبة ولا أقول خطورتها بالمعنى السلبي, حيث تضع المجتمع على طاولة التشريح, وما يحيط به من قضايا هامة, وأزمات خانقة, ومنعطفات مصيرية يعبرها. وأوضح الجارد قائلا إن الرواية عمل معرفي يضيء الزوايا المعتمة, وتصف ما يسود من مفاهيم وعادات وتقاليد ضمن إطار فني للحالة الراهنة. وأما تخطي هذه المرحلة وقفزها لأن تتحول إلى خطاب وعظي, أو مؤدلج, أو يطبق الحلول فليس هذا شأنها. ويقول: حين نفترض أن للرواية تأثير سلبي على الأخلاق, لابد لنا من التحقق في مدى صحة هذه الفرضية والتي تساءل وتحاكم الرواية. باعتقادي أنه رابط وهمي وهنا لا تؤثر الرواية على الأخلاق لسببين: الأول هو إن مجتمعنا مهووس بتقديم السوء قبل أن يمنح نفسه فرصة للتعرف واستبطان الحقيقة. ألسنا قبل عقود كنا نرتاب من السيارة حين دارت دواليبها فوق هذه الصحراء؟ وكان النساء يلقين عليهن بجلابيبهن أمام المذيع الذي يطل من نافذة التلفاز! ثم حاربنا تعليم المرأة! وقبل سنوات قريبة أقمنا الدنيا ولم نقعدها لمّا أتى البث الفضائي. اليوم شوارعنا تعج بالسيارات الفارهة. وأموال تجارنا تستثمر في أكثر القنوات الفضائية انتشارا وتأثيرا في الوطن العربي. وبناتنا يبتعثن إلى الغرب الذي نتهمه بالمتردي الأخلاقي. والآن نعود لندور في حلقة مفرغة حيث نشهد هجوما مشابهاً على الرواية السعودية. لست أعلم لماذا هذا الهوس والسعار بأن كل شيء يؤثر سلباً على الأخلاق؟! وكأننا مجتمع مغاير عن كل المجتمعات البشرية التي تعمر الأرض. واسترسل الجارد بالقول: إذا أعدنا القراءة من هذا المنظور المهووس لكتب الأدب التراثية وأقربها (ألف ليلة وليلة) و (الأغاني) و (الإمتاع والمؤانسة) و (خزانة الأدب) و (المستطرف) ... الخ. وما نقلت لنا من أخبارهم, والقصائد الغزلية التي كتبها الفقهاء لتوصلنا لذات الحقيقة الموهومة التي نعيشها اليوم, ولحكمنا على كتب التراث أنها تفسد الأخلاق. أما بالنسبة لهيمنة الرواية على المستوى القرائي, لو نظرنا للإقبال المتزايد الذي نشهده في معرض الكتاب, وانتعاش المكتبات, وسهولة اقتناء الرواية ورقياً أو إلكترونياً, ولطبيعة الرواية كفن وقرب من الحياة اليومية ، وهموم ومعاناة الإنسان, وأنها تتحدث بلغة عصره التي يفهمها وبالمنطق الذي يقنعه, لتأكد أن الرواية هي لسان العصر وديوانه.