الإسلام منهج حياة متكامل، والتدابير الوقائية إحدى أنظمته ، حيث يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة، وتهذيب النفوس، وتطهير الضمائر، كما يزرع في النفوس الحساسية التي تجعلها تحجم عن الإقدام على أي جريمة قد تقطع أواصر الأخوة الإسلامية ووشائج المحبة في مابينها وبين المجتمع، ولكن لابد لتحصيل نظام الدين من تحصيل نظام الدنيا , فمتى كانت التدابير الوقائية والاحترازية , كوسائل دنيوية مدنية فاعلة , تناسب الزمان والمكان والموقف , نجح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وتطبيق المنهج الوقائي الإسلامي هو الطريق الأمثل والمنهج القويم للحماية من الوقوع في الجريمة ، وهو الوسيلة التي بها يتحقق الأمن والأمان للجميع, إذا تقرر ذلك كحقوق ومؤسسات مدنية . الإسلام كان الاول والافضل في تقرير التدابير الاحترازية ، و الفقه الجنائي الإسلامي في مواجهته للمنكرات يقوم أولاً على المنهج الوقائي و لا يلجأ لاستخدام العلاج إلا بعد أن تستنفد وسائل الوقاية . والإجراءات الوقائية تتمثل في الأحكام الشرعية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ، وفي تطبيقها يكمن الأمن والأمان والاستقرار الذي ينشده كل مجتمع ، كما يكمن فيها - كذلك - الخير لكل الناس ؛ لأنها شملت كل جوانب الحياة ، فهي تقوم على حماية الإنسان وصيانته من كل ما يوقعه في الإثم ، ففيها من التوجيهات والتكاليف ما يصده عن كل شر ويدعوه إلى كل خير, كما تتجلى أهمية التدابير الوقائية في أنها تحرص على حماية الحريات العامة ، فأغلب هذه التدابير لا مفر للمجتمع من اتخاذها، لأنها الوسيلة الوحيدة لوقايته من خطورة الانحرافات الاجتماعية ، إن قانون الاحتشام مثلاً وتيسير وسائل الاستعفاف , من اهم التدابير الوقائية لمنع وقوع المنكر الفردي . فالوازع الإيماني - إذا تحول إلى قانون مدني - هو خط الدفاع الأول ضد جرائم المنكرات بجميع صورها ، فكلما كان الفرد محصناً به كان مراعيا لحرمات الله وحرمات الناس في سره وعلنه ، إن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, خط الدفاع الاجتماعي الذي يهدف إلى حماية المجتمع من ظاهرة المنكرات قبل وقوعها وتفشيها، عن طريق معالجة كل الظروف الاجتماعية التي ترمي بالفرد في مغبة الجريمة، بالإضافة إلى حماية الناس من المنحرفين وإعادة تأهيل الفضائل والقيم ، أن كثرة المنكرات وتفشيها سببه إهمال الأخذ بأسباب الوقاية التي قد لا تكلف شيئا مقارنة بالعلاج الذي يكلف الكثير من المال والجهد والوقت، ومن أهم وأنجع أسباب وتدابير الوقاية نظام الحسبة المدني، ويمكن القول أن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بوضعها الإداري الرسمي ،هي اتجاه وقائي علاجي مع كونها إجراء ردعياً ، أما الإيلام الذي قد يترتب على إزالة المنكر ، فهو غير مقصود لذاته ، وإنما المقصود منه اتقاء خطورة المنكرات والتحفظ عليها أو علاجها بالدرجة الأولى ، وحماية المجتمع من الخطورة الإجرامية الكامنة فيها . إن قيام المجتمع بدوره في تطبيق التدابير الوقائية سبب لأن يعيش في أمن وأمان واستقرار؛ فوجود الرأي العام المقنن المحمي والمؤمن ضد التفرد بالرأي، يحيي في الناس جذوة الخير ويجعل الشر يختفي ويضمحل ، كما أن الخير يظهر ويسمو، وفي إحياء المجتمع لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حماية له من غوائل الشر ومفاسد الجريمة ، ويكون سببا في نجاته من الكوارث والمصائب التي قد تترتب على سكوته عن الشر ، فالجميع في سفينة واحدة ، إذا لم يُرَدُّ فيها الظالم عن ظلمه فإن الجميع سيهلك لا محالة, بقي أن نعرف أن القائم في خط الدفاع الاجتماعي ، قد يسهو ، ويجوز عليه القصور والخطأ ، وأن المنكرات قد تبدأ بإستراق النظر، وقد لا تنتهي بسرقة مقدرات الوطن .