من قديم قضت حكمة المولى عز وجل، أن تكون المساءلة والعقاب والثواب، أساسًا للحياة الإنسانية في الدنيا والآخرة، وضمانًا لصلاحها، وإرساءً لقواعد العدل في كل شؤونها. والتزامًا بهذه السنن الربانية، وإقامةً لأحكام الشرع، صدر الأمر الملكي الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بإحالة كافة المتهمين في كارثة السيول بمدينة جدة، الى هيئة الادّعاء العام وهيئة الرقابة والتحقيق ثم القضاء، كما قال خادم الحرمين: «انطلاقا من مسؤوليتنا تجاه الوطن والمواطن والمقيم، استهداءً بقول الحق جل جلاله «إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً»، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، واستصحابًا لجسامة خطب هذه الفاجعة، وما خلّفته من مآسٍ لا نزال نستشعر أحداثها المؤلمة وتداعياتها، حتى نقف على الحقيقة بكامل تفاصيلها، لإيقاع الجزاء الشرعي الرادع على كل مَن ثبت تورّطه أو تقصيره في هذا المصاب المفجع، لا نخشى في الله لومة لائم، فعقيدتنا، ثم وطننا ومواطنونا أثمن وأعز ما نحافظ عليه ونرعاه، جاعلين نصب أعيينا ما يجب علينا من إبراء الذمة أمام الله تعالى، بإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، انتصارًا لحق الوطن والمواطن وكل مقيم على أرضنا، وتخفيفًا من لوعة ذوي الضحايا الأبرياء، وتعزيزًا لكرامة الشهداء رحمهم الله، بإرساء معايير الحق والعدالة». * * * على أن الأمر الملكي لم يكتفِ بذلك، بل وجّه كافة الوزارات والهيئات ذات الصلة، باتّخاذ كافة الإجراءات لتعويض كافة المتضررين والمصابين، وأخذ الأسباب بتلافي كل آثار ومسببات الكارثة، خاصة في المناطق المعرضة للسيول في جميع مناطق المملكة، وتطوير أنظمة الرقابة والضبط ووحدات الرقابة الداخلية، وكذلك معالجة الأحياء العشوائية، وتنفيذ مخططات جديدة وشاملة لشرق محافظة جدة، وقد اشتمل الأمر الملكي على تحديد أوقاف العين العزيزية لضمان منع التعدّي عليها، وتنمية إيراداتها، ومراقبة تحصيلها من قِبل جهة مستقلة. ومواساة لأهل ضحايا السيول، وجّه خادم الحرمين وزارة المالية بدفع مليون ريال لأسرة كل ضحية. وفي الختام طالب خادم الحرمين اللجنة العليا المشكّلة للتحقيق في هذه الكارثة، بالجد والمثابرة في عملها بما تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل، واستشعار عِظم المسؤولية، وجسامة الخطب.