مواطن سعودي، ربّ أسرة، آثر أن يخالف أنظمة الدولة الخاصة بالإقامة، دفع (دم قلبه) كما يُقال لاستقدام خادمة من الجنسية الإندونيسية، فمعلوم أن تكاليف الاستقدام اليوم تزيد عن عشرة آلاف ريال، ما بين رسوم تأشيرة، وتكاليف مكتب الاستقدام، ومن ثم الإقامة، والكشف الطبي... إلى آخر القائمة. وبعد انتظار وعناء داما ثلاثة أشهر وصلت الخادمة، ومكثت مع أسرته لما يزيد قليلاً عن ثلاثة أشهر، بحيث انتهت فترة التجربة الممنوحة له من مكتب الاستقدام، واستخرج لها الإقامة النظامية، وأحسن معاملتها إلى أبعد حدّ خوفًا على (دم قلبه) أولاً، ولأنها ضعيفة ومسكينة كما يُقال دائمًا، وفوجئ ذات صباح، بأن الخادمة قد (تبخّرت)، أو (فصّ ملح وذاب) كما يُقال أيضًا، وبحث في كل مكان ولم يجدها، ولأنه مجددًا يخاف على (دم قلبه) تفقّد ما غلا ثمنه وخف وزنه في منزله، وخصوصًا في غرفة نومه، ووجد أن طقم ذهب وألماس تركته زوجته ليلتها على (التسريحة) قد ذهب مع الريح، وقيمته تزيد عن خمسين ألف ريال. جُنّ جنونه بالطبع، وجرى إلى إدارة الوافدين ليبلّغ عن الهروب، وملأ كل الأوراق اللازمة، وطُلب منه أن يبلّغ عن السرقة في مركز الشرطة التابع لحيّه ففعل، وعُمّم عن السرقة، وعن مواصفات الخادمة، واسمها، وصورتها. كما زار القنصلية الإندونيسية بجدة، وزوّد أحد موظفيها بصورة من جوازها، وإقامتها، وصورتها الشخصية. وطمأنه الجميع بأن الخادمة لن تستطيع مغادرة المملكة؛ لأنها دخلت بنظام (البصمة)، فلو غيّرت اسمها، أو جاءت بجواز سفر مزوّر، أو ادّعت أنها حضرت بتأشيرة عمرة، فستُضبط في المطار، أو أي منفذ بري، أو بحري بالبصمة، خصوصًا أن عليها قضية سرقة. وجعل ذلك المواطن يطمئن ولو قليلاً، مع أن كثيرًا من أهله وأصدقائه قالوا له إن القبض عليها من رابع المستحيلات، إلى أن اتّصلت به خادمة إندونيسية يومًا، وأخبرته أن خادمته موجودة في بيت ما مع سائق إندونيسي، ووصفت له المنزل بدقة شديدة، ففرح كثيرًا، وبلّغ الشرطة، وأرسلوا معه فرقة مدنية، ووصلوا إلى المكان المُشار إليه، وبعد قرع شديد للباب، فتح السائق الإندونسيي، ووجد رجال الشرطة رجلين آخرين معه، وامرأة من الجنسية نفسها، في عزلة وخلوة، والمرأة ممددة فوق فراش، حاسرة الرأس، وفي ظلام دامس، ولما أُضيئت الأنوار سأل أفراد الشرطة المواطن: هل هذه خادمتك؟ قال: لا، فلم يلبثوا أن غادروا المكان! وقالوا له إن هؤلاء لا غبار عليهم، ووضعهم قانوني، ولديهم إقامات مع أن الخلوة والافتراش -إن جاز التعبير- كانا واضحين. وبعد ذلك بأيام تلقى مكالمة خارجية، وفوجئ بأن خادمته الهاربة تحادثه من إندونيسيا، ولم يعرفها في بداية الأمر، ولكنها ذكرت له اسمها، فتعجب وسألها: لمَ تتصل به؟ فأجابت: إنها تتّصل لتقول له: (أنا ما فيه خوف من شرطة أو ترحيل، وأنا سافر إندونيسيا، وما فيه مسكلة)! وعلم منها أنها عملت في عدة بيوت في جدة، ومكة لعدة أشهر، وبراتب كبير، ثم سلّمت نفسها للقنصلية التي أرسلتها لإدارة الوافدين، ومن ثمّ تم تسفيرها إلى إندونيسيا معززة مكرّمة، وهي تحمل ما حصدته من أموال بما فيها الذهب الذي يساوي خمسين ألفًا. علمًا بأن المواطن بلّغ عنها في القنصلية، والشرطة، وإدارة الوافدين، وما يزال يحتفظ بجوازها، وإقامتها التي (سيبلها ويشرب مويتها) بالطبع. وهذه القصة ليست من نسج الخيال، بل هي حقيقة واقعة، ولايزال المواطن يحتفظ بالجواز والإقامة، وبلاغ الشرطة، ولديه كذلك رقم الخادمة في إندونيسيا. وهي واحدة من آلاف القصص التي تحدث كل يوم، ويكون ضحيتها المواطن الذي قد يكون استدان تكاليف الاستقدام؛ ليأتي بمَن يعين أسرته، فيكون ذلك وبالاً عليه. فلابد من مراجعة شاملة لمعرفة هذه الثغرات التي يتسلل منها المجرمون، والمجرمات، والتي تخلُّ بالأمن العام، وتضيّع حقوق الناس، وتزيد من شر الوافدين المستطير.