لا أنسى توجيهًا كتابيًّا تلقيته من سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل يقول: “لاحظنا تأخّركم عن الدوام... إلخ”. وقد بادرتُ بالردّ على خطاب سموه فورًا بالقول بأنني “كنتُ أودُّ كما لاحظ سموكم تأخّري في الحضور أن يلاحظ أيضًا تأخّري في الانصراف، حيث إنني أدوام لساعة متأخّرة.. علاوة على المهام التي أقوم بها خارج أوقات الدوام الرسمية”. وقد تلقيتُ من سموه شرحًا على الخطاب يقول: “تأتون مع الدوام، وتنصرفون مع الدوام”. ولقد اكتشفتُ لاحقًا أن الخطاب كان موجهًا لجميع السفراء، ومديري الإدارات في الوزارة، وليس لي وحدي؟ كما اكتشفتُ أن التأخير هو ظاهرة لا تخصّني وحدي، بل يمارسها جميع مديري الإدارات تقريبًا، لكنني الوحيد الذي تبرّع بردٍّ لم يطلبه أحد منّي.. ولكنها نوعٌ من “اللقافة” التي يمارسها البعض منّا بكل أريحية، خاصة إذا ظنّ في نفسه أنه فوق النقد، والملاحظة! ما أعاد هذا الموقف إلى ذاكرتي اليوم هو مداخلة الأمير عبدالعزيز العياف أمين منطقة الرياض، التي استنكر فيها حديث الشيخ سلمان العودة حول قضايا الفساد التي نتجت عنها السيول، التي هاجمت مدينة الرياض، واستنكر العياف أن يتحدّث الشيخ العودة عن الفساد دون مناسبة، أو طلب من أحد! وكأنّ كل ما أصاب العاصمة، وسكانها، وقاطنيها من أضرار في الأموال والأرواح ليست مناسبة كافية لكي يتطرّق إليها الشيخ العودة، أو غيره من أصحاب الرأي والفكر؟ لكن يبدو وكما أننا أغنى بلد في “النفط” فنحن أيضًا، كما يقول أحدهم، أغنى بلد في “البطحا”.. فكلّما تناول الكُتّاب، وأصحاب الرأي الحديث عن قضية، أو انتقدوا ظاهرة من الظواهر وجدنا “الكل يُحسّس” على رأسه، ظنًّا منه أنه المستهدَف بالنقد!! وأردد هنا مع القائل.. لو كان الإنسان يعمل تحت نور الشمس، ويؤدّي واجبه بكل تفانٍ وإخلاص، ويمتلك الثقة الكاملة في أمانته وإخلاصه، لما شعر أبدًا بأنه مستهدَف بسهام النقد، حتّى لو كان سهمًا طائشًا أُطلق في الظلمة!! فيا هؤلاء دعوا «بطحاكم» على رؤوسكم بسلام، ولا تكونوا كالمريب الذي كاد أن يقول خذوني!