إذا كان لكل عصر سمة ما تميزه، فإنني أعتقد بأن الكذب هو السمة الأهم التي تميز عصرنا . نعم الكذب موجود في كل عصر، ووجوده مرتبط بوجود الإنسان أيا كان موقعه أو زمن هذا الوجود، لكن هذا لا ينفي أن الكذب في عصرنا أصبح يحاصر الإنسان من جميع الاتجاهات . والأدهى والأمر هو أن الكذابين في عصرنا لم يعودوا يشعرون بأي خجل عند ممارستهم الكذب. الكذابون الآن يمارسون نشاطهم بوجه مكشوف وعلى عينك يا تاجر ابتداء من أتفه الأمور وانتهاء بأهم القضايا . خذ عندك التلفزيون على سبيل المثال وستجد أن كم وحجم ونوع الأكاذيب التي يتم تمريرها من خلال الشاشة، هي أكثر من أن تُحصى. والكارثة أن بعض الأكاذيب التي بتنا نتنفسها، تضخمت ووصلت إلى درجة يصعب تصديقها. ومع ذلك فإن محترفي الكذب في عصرنا يصرون على تكرار أكاذيبهم إلى أن يقتنع البعض بصدقها.. وقديما قالوا : ( التكرار يعلم الشطار ) . المسألة لم تعد تحتاج إلى أدوات أكثر من الوجه المكشوف والإلحاح والوقاحة. يكفي أن تردد وسائل الإعلام كذبة ما وتصر على ترديدها حتى تلبس هذه الكذبة ثوب الحقيقة التي لا مراء فيها . الصهاينة والغرب أطلقوا كذبة معاداة السامية ليتسنى لهم تشريد الشعب الفلسطيني من أرضه وإقامة ما يسمى بدولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة. والعالم صدق الكذبة وتعاطف ولا يزال جزء كبير منه، مع الصهاينة الذين تعرضوا للهولوكوست أو المحرقة النازية دون أن يتوقف أحد ما عند حقيقة عدم وجود أية مسؤولية عربية أو فلسطينية عما جرى في المحرقة التي ارتكبها النازي ! الأميركيون أيضا أطلقوا كذبة الألفية الجديدة التي كرست ما يسمى بالإرهاب كأكبر خطر يتهدد البشرية والمجتمعات الغربية على وجه الخصوص. وقد ساعد على ذلك بالتأكيد حدوث هجمات سبتمبر الإرهابية التي بات البعض من أصحاب الرأي في الغرب يشككون في الروايات الرسمية التي وردت بشأنها. أما غزو العراق فقد استمد شرعيته من كذبة وجود أسلحة دمار شامل لدى نظام صدام حسين. وهو ما ثبت بعد فترة قصيرة بأنه لم يكن صحيحا بأي شكل من الأشكال. ألم أقل لكم إننا نعيش عصر الكذب والكذابين ؟!