تسبّبوا لها بأضرار نفسية، وجسدية جسيمة، قد تستمر معها مدى الحياة، أدخلوها عالم الخوف، وجعلوها رفيقة البكاء والصراخ ليلاً، وآلام لا تنتهي طوال اليوم؛ بسبب الرعب النفسي الذي يلاحقها دائمًا، وشبح الموت الذي لا يفارقها، فأصبحت وحيدة منطوية على نفسها، وحُرمت من تربية أطفالها الخمسة.. هذا هو حال السيدة إيمان الحرتاني -42 عامًا- إحدى ضحايا الأخطاء الطبية المستمرة في الكثير من مستشفيات القطاع الخاص، وكأنها مسلسل مكسيكي، أو تركي. وكانت “الحرتاني” قد أُدخلت إلى ثلاثة مستشفيات خاصة بجدة خلال شهر واحد (ذو القعدة الماضي) من أجل إجراء عملية بالمنظار لاستئصال المرارة، مع حصوات في القناة المرارية، إلاّ أنها خرجت من هذه العملية البسيطة بعدة أخطاء، أبت المستشفيات الثلاثة إلاّ أن تتقاسمها فيما بينها، وكأنها أرادت بذلك أن يتوزّع “دم الخطأ الطبي بين القبائل”. الخطأ الأول حدث في المستشفى ( أ )، حيث قام الاستشاري (ع .ع) بقطع شريان في الكبد، والخطأ الثاني في المستشفى (ب) الذي أعطى المريضة حقنة شرجية تسببت لها في تسمم بالبطن، بينما الخطأ الثالث في المستشفى (ج) والذي قام بعمليات وأشعات مقطعية أدّت إلى حدوث تجلّطات في المنطقة السفلى من البطن والقدمين، بالإضافة إلى التهاب حاد بالرئتين، وكسل في الكلى. وفي نهاية المطاف وجدت نفسها مطالبة بسداد فاتورة من فئة “v i p” بقيمة تزيد عن 700 ألف ريال. دعوى في الهيئة الطبية الشرعية هذا الواقع المرير أثار حفيظة شقيقها، ووكيلها الشرعي إبراهيم الحرتاني، فقدّم دعوى إلى الهيئة الطبية الشرعية الأساسية بجدة، مطالبًا بتطبيق أشد العقوبة، وتحميل المتسبب دفع تكاليف علاجها، وتعويضها عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بها صحيًّا ونفسيًّا. منع سفر الأطباء وحسب وكيل المريضة، فقد عقدت الهيئة أول جلسة يوم 6/5/1431ه، حضرها الطاقم الطبي في المستشفيين الثاني والثالث، فيما تخلّف الجراح من مستشفى (ب)، والاستشاري (ع . ع) بالمستشفى (أ)، وتم أخذ أقوال المدّعي، وأُجّل الاستماع إلى أقوال الآخرين في المستشفيين (ب ، ج) إلى حين حضور الطرف الأول الاستشاري (ع .ع) لأخذ أقواله، ومناقشة بقية الأطراف في الجلسة المقبلة التي حدد لها يوم الثلاثاء 19/ 10/ 1431ه. وأصدرت الهيئة قرارًا بمنع سفر الأطباء (ع .ع) و (ح . ب) إلى حين الفصل في القضية. الحرتاني يروي معاناة شقيقته وروى الحرتاني ل“المدينة” تفاصيل معاناة شقيقته، قائلاً: “أدخلتُ شقيقتي المستشفى (أ) الخاص بتاريخ 2/12/1430ه، وقام استشاري الجراحة العامة وزراعة الأعضاء (ع .ع) بإجراء عملية استئصال المرارة بالمنظار، واستخراج الحصوات في القناة المرارية، وتسبب خلالها في قطع شريان بالكبد، ولم يخبرنا بما حدث، ثم قام بتركيب أنبوب لتصريف المخرجات، بعد ذلك شعرت شقيقتي بآلام في البطن، وازدادت تلك الآلام في اليوم الثاني، فقام الاستشاري بنزع أنبوب التصريف، وأوصى بخروجها من المستشفى، وفي مساء نفس اليوم راجعت ذات المستشفى لعمل أشعة، فتم إعطاؤها إبرة في قسم الطوارئ إلاّ أن الاستشاري (ع .ع) لم يحضر. يواصل شقيق المريضة: وبعد أيام اشتد الألم عليها، فراجعت قسم الطوارئ في مستشفى خاص ثانٍ (ب)، حيث عُملت لها تحاليل، وأشعة، وطلب الطبيب تنويمها يومًا واحدًا، وتم حقنها بحقن شرجية، لإخراج الفضلات الضارة من البطن، وبعد يوم واحد أوصى الطبيب بخروجها، ولكن آلامها لم تنقطع، فراجعت مستشفى ثالثًا (ج)، وكشف عليها الطبيب في قسم الطوارئ، وطلب هو الآخر تنويمها، للكشف عليها من قِبل استشاري الجراحة (ط.ي) الذي طلب عمل أشعة مقطعية، فتبيّن أن الاستشاري في المستشفى الأول (ع.ع) لم يقم بتركيب دعامات في القناة المرارية، فطلبوا إحضار طبيب جراحة المناظير لتركيب هذه الدعامات، وبالفعل تم إحضار الاستشاري جراح المناظير (ح. أ ) من مستشفى حكومي، فقام بعمل المطلوب، وبالكشف عليها عن طريق استشاري المستشفى الخاص (ج) اتضح أن الاستشاري (ح . أ) من المستشفى الحكومي تسبب لها بجرح في الاثنى عشر نتج عنه خروج المادة الصفراوية من البطن ونزيف داخلي نتيجة قطع الشريان، أدى إلى تسمم في البطن... وبعد ذلك كشف عليها الاستشاري ( ط. ي ) وعملت لها أشعة مقطعية بينت وجود نزيف داخل البطن، فطلب عمل منظار لتنظيفها من التسمم، ووجد أن النزيف موجود فنقل إليها دم قبل إجراء العملية لها، وبعد يومين تبين أن الدم ينقص، فتم عمل منظار آخر أكد استمرار النزيف، فتم عمل تجلط للشريان المقطوع بهدف إغلاقه، وبعد بيومين انتفخ الشريان كالبالون وأصبح عرضة للانفجار في أي لحظة، فتم عمل أشعة مقطعية لها عدة مرات خلال أسبوع واحد، وهو ما تسبب في كسل كلوي، وتم تنويمها لمدة 25 يوما في العناية المركزة فاقدة الوعي، بالإضافة إلى التهاب حاد بالرئة، وجلطة أسفل البطن، وانفجر الشريان بالفعل ليزداد النزيف، فتم طلب الاستشاري (ع.ع) لإجراء عملية ربط للشريان الذي تسبب في قطعه لأن المريضة معرضة إلى الوفاة حسب إفادة الأطباء، بسبب النزيف المتزايد وبدء خروج الدم عن طريق الفم، وفتحة الشرج، وطلبوا منه قرص تسجيل العملية وتصويرها إلاّ أنه أفاد بإتلافه، وأخيرا حضر إلى المستشفى ( ج ) وقام بإجراء عملية ربط الشريان الذي قطعه في العملية الأولى بشهادة الطاقم الطبي، وطلب نقلها إلى المستشفى (أ ) للكشف عليها، وعند مراجعة المستشفى رفض ذلك بحجة أن غرف عمليات المستشفى مغلقة. وأخيرًا أغلق الشريان ولكن ... يواصل الحرتاني: طلب المستشفى (ج) عمل أشعة لها بعد أن تم دفع مبلغ 400 ألف ريال، ليتم توضيح كل شيء في الجسم، وتم عمل أشعة شاملة إلا أن الشريان لم يتبين معهم، وأجروا في اليوم الثاني عملية في الشريان بالمنظار إلاّ أن النزيف زاد بكثرة، فطلبوا إحضار الاستشاري (ع . ع) مرة أخرى لإجراء العملية كونه أدرى بمكان الشريان المقطوع في الكبد، فقام الاستشاري بفتح البطن بالكامل لربط الشريان المقطوع في عملية استغرقت قرابة خمس ساعات، وبالفعل تم ربط الشريان بنجاح، وبعد أسبوعين تم إخراج المريضة من المستشفى وهي تعاني من أمراض جانبية منها تجلطات في شرايين المنطقة السفلى وأصابع القدمين التي أصبح لون بعضها مائل إلى السواد لعدم وصول الدم إليها، ودخلت شقشقتي في معاناة نفسية وعصبية شديدة، مع استمرار آلام البطن، وتجدير في الرجلين مع صعوبة في المشي بسبب التجلطات. ويضيف: رغم كل ذلك طالبني ممثل علاقات المستشفى (ج) بالتوقيع على أوراق الكمبيالات إلاّ أنني رفضت، وقلت له أنتم السبب في كل هذه الأخطاء، ومع ذلك دفعنا لهم قرابة 523 ألف ريال. واختتم وكيل المريضة قائلاً: شقيقتي تراجع حاليًّا استشاري جراحة المخ والأعصاب، ودكتور الأوعية الدموية، والاستشاري النفسي، في مستشفى حكومي متخصص، في محاولة لإصلاح ما أفسدته مشارط سابقيه.