برغم وصفه لمعالي الدكتور عبدالعزيز الربيعة وزير الصحة ب “الذكي” و“المتفوّق” و“الجرّاح العالمي”؛ إلاّ أن الدكتور زهير السباعي يرى أن عقد الآمال الكبيرة على الربيعة في إحداث التغيير في وزارة الصحة «خطأ»، مشيرًا إلى أن أي إنسان لا يمكنه أن يغيّر «النظام» في يوم وليلة، مبينًا أن وزارة الصحة ينقصها التخطيط المبني على أسس علمية، وأنها لم تولِ أمر تهيئة الكوادر الإدارية المتخصصة في الشؤون الصحية الاهتمام بالقدر الكافي، وأنه لا مبرر لها في إعطاء أولوية لخريجيها، وفرض رسوم على تدريب خريجي المعاهد الأهلية، داعيًا المسؤولين إلى إعطاء مديري المستشفيات صلاحية تغنيهم عن الرجوع إلى مدير الشؤون الصحية، نافيًا أن يكون هناك طبيب يمارس العمل بموجب شهادة مزوّرة، مبينًا أن اشتراط منظمة الصحة العالمية أن يكون مَن يعمل بالتمريض من حملة شهادة البكالوريوس مجرد إشاعة لا أساس لها من الصحة، مؤكدًا أنه في مجلس الشورى نادى باللامركزية في التعليم والصحة، مشيرًا إلى استحالة تخصيص مجال التمريض كاملاً للمرأة، مستندًا في ذلك إلى خصوصية المجتمع السعودي، مبينًا أن هناك «اختلاطًا محترمًا» في كليات الطب في السنوات النهائية بالمستشفيات، ولم يسمع بوجود مشكلات جرّاء ذلك، داعيًا إلى التفريق بين «الاختلاط» و«الخلوة».. كذلك أرجع السباعي انتشار ظاهرة الأخطاء الطبية في المستشفيات إلى الانفتاح الإعلامي، منوّهًا إلى أن عدد الأجهزة الموجودة في الرياض أكثر من الموجودة في لندن، نظرًا لغياب التنسيق الكافي. * تتالي ظهور مجموعة من الأمراض في المملكة في السنوات الأخيرة خلق ما يمكن تسميته حالة من «القلق الاجتماعي».. كيف ترى الصحة العامة في المملكة بشكل عام؟ - هناك تطور كبير في السنوات الأخيرة، وهذا أمر لا يمكن أن ننكره. أما أن تكون هناك أمراض أو أوبئة فهذا يمكن أن يحدث في أي مكان؛ لكن بطبيعة الحال نحتاج إلى جهود أكبر وخاصة في الجانب الوقائي الذي لا يحظى باهتمام كبير في كل أنحاء العالم، باعتبار أن الجانب العلاجي الذي هو عبارة عن مستشفيات وآلات وأسرّة ملموسة وموجودة. الجانب الوقائي خفي، وهو يعالج مرضًا غير موجود ويتقي المرض قبل وجوده. وبالتالي لا يحصل على اهتمام كافٍ في أكثر المجتمعات تقدّمًا. لو أننا أنفقنا 2.5 % من ميزانية الصحة على ما يسمّى بتعزيز الثقافة الصحية بأسلوب علمي جيد؛ فسيؤدي إلى تحسن بمقدار لا يقل عن 25 % في مستوى الصحة. 2.5 % تنفقها وتحصل على عشرة أضعافها. هذا المبلغ ينبغي أن يصرف بشكل علمي ومدروس ومقنن. خوف واجب * في الفترة الأخيرة واجهتنا أمراض ولّدت نوعًا من القلق عند المجتمع.. كيف ترى ذلك؟ - القلق الصحي في حدود معقولة مقبول، ولولاه ما عاش الإنسان. أن نخشى من انتشار مرض مثل أنفلونزا الخنازير فهذا أمر طيب. لكن هذا الخوف لا ينبغي أن يعطّلنا، ويجب أن نخاف حتى نعمل وندرأ المشكلات والأوبئة. الحمد لله أن ربنا أكرمنا ولم تنتشر أنفلونزا الخنازير أو أنفلونزا الطيور كما كنا نتوقع، العالم كله يتذكّر انتشار الأنفلونزا الاسبانية في بداية القرن الماضي وقضت على 80 مليون شخص. القلق في حدود معقولة يجعل الإنسان أكثر نشاطًا ويحفزه للعمل. توزيع متناسق * بصفتك متخصصًا في طب الأسرة والمجتمع.. هناك من يلحظ انتشار أمراض في أطراف المملكة والقرى والمناطق النائية وحالة الإنسان الصحية فيها متدنية لعدم وجود الاهتمام المناسب من الجهات الصحية.. ما تعليقك؟ - إمكاناتنا الصحية في المملكة جيدة والحمد لله؛ ولكنها تحتاج إلى أن يكون التوزيع فيها متناسقًا ومتناسبًا. هذا الشأن موجود في معظم أنحاء الدول النامية. عندما نرصد ميزانية الصحة في البلد، ولا أعني فقط ميزانية وزارة الصحة وإنما ميزانيات عدة جهات مختلفة تصرف على الصحة في البلد مثل: القوات المسلحة والأمن العام والحرس الوطني والصحة المدرسية وغيرها، إذا أخذت جميع هذه الميزانيات وقسمتها على عدد السكان لوجدت أن نصيب الفرد في ما يصرف في المتوسط مرتفع جدًّا، أن يكون الصرف متوازنًا وكذلك الإدارة هي عنق الزجاجة في أي أمر بشري. لم يتم الاهتمام بتهيئة الكوادر الإدارية المتخصصة في الشؤون الصحية بالقدر الكافي. لذلك كنت بالأمس في ندوة في بيت الشيخ عبدالرحمن فقيه وقلت: إنه حبذا لو أنشئت كلية للصحة العامة مهمتها تخريج الكوادر المتخصصة في الإدارة الصحية، بما في ذلك التخطيط والإدارة وإدارة المستشفيات وإدارة الرعاية الصحية الأولية والجوانب الوقائية. تخطيط غائب * على مدار العهود التي مرت بوزارة الصحة وتعاقب الوزراء إلا أن هناك نقدًا لها، فهناك من يرى أنها قطاع متهالك. وجميع المتعاملين مع الوزارة من مواطنين ومراجعين كثيرًا ما يشتكون من القطاع الصحي.. فلم ذلك؟ - ربما تكون الانتقادات التي توجّه لوزارة الصحة عائدة لارتباطها المباشر بالمواطن واحتياجاته. لكن بكل أمانة أقول إن ما ينقص وزارة الصحة في الأساس هو التخطيط المبني على أسس علمية. لا يوجد جهد كافٍ للتخطيط المستقبلي المبني على دراسات. العائق الآخر هو مركزية وزارة الصحة. هذه المركزية موجودة في كل الوزارات. قلت كثيرًا حتى عندما كنت في مجلس الشورى إن التعليم والصحة يجب أن يحظيا بأكبر قدر من اللامركزية. كل مدير مستشفى ينبغي أن يعطى الصلاحية حتى يثبت ذاته ولا يكون مضطرًا لأن يرجع في كل صغيرة وكبيرة وفي كثير من الأمور لمدير الشؤون الصحية الذي يرجع إلى وكيل الوزارة الذي يرجع بدوره إلى الوزير. المسؤولون في وزارة الصحة في الرياض ينبغي أن يجدوا الوقت الكافي حتى يسترخوا ويتأملوا ويقوموا بوضع المعايير والخطط وألا يشغلوا كثيرًا بالعملية التنفيذية. هذا أدعى إلى تحسين الأوضاع الصحية وأمر آخر وهو تنشيط القطاع الأهلي. ربما كان هناك مبرر قبل 30 أو 40 سنة لأن تقوم وزارة الصحة بالتنفيذ وأن تدير المستشفيات. الآن لا يوجد داعٍ لذلك. القطاع الأهلي موجود ولديه الاستعداد المطلوب. صحيح أن القطاع الأهلي يبحث عن المنفعة المادية وهذا أمر طبيعي، ولكن لماذا لا نضع المعايير والأسس ونكافئ من يحسن ونحاسب من يسيء. لا بد أن نخطط لهذا الأمر. شهادات مزورة * انتشرت ظاهرة الشهادات المزورة، وقد نستوعب وجود هذه الظاهرة في أي مجال لكن لا يمكن قبولها في المجال الصحي.. كيف ترون خطورة هذه المسألة؟ - كون أن يوجد طبيب يمارس العمل بموجب شهادة مزورة فهذا أستبعده تمامًا، إلا أن يكون هناك من درس الطب لأربع أو خمس سنوات ولم يحصل على الشهادة. الطبيب يتعامل مع مجتمع طبي. لا يمكن أن يأتي حلاق ويدعي أنه طبيب. أن يوجد طالب لم يتمكن من الحصول على الشهادة وقام بتزويرها فهذا محتمل ولكنها حالات نادرة. المشكلة لدى أصحاب الشهادات العليا كأن يأتي حامل بكالوريوس ويدعي أن لديه شهادة عليا؛ هذا نوع من الضعف البشري الذي يمكن أن يكون موجودًا لدينا أو في أي بلد أخرى. عندما كنت في الولاياتالمتحدة وكانت زوجتي معي وتدرس في الثانوية العامة جاءنا من يعرض علينا أن يقوم بمنحها شهادة أكاديمية بدون دراسة. بطبيعة الحال رفضنا هذا العرض. الشهادات المزورة موجودة في كل مجال في الدنيا لأن هذه الظاهرة ضعف بشري ونسأل الله أن يمكِّن المسؤولين من تدارك هذه الظاهرة ومحاصرتها. أخطاء طبية * إلى أي سبب يرجع انتشار ظاهرة الأخطاء الطبية التي أصبحت متفشية في كثير من المستشفيات؟ - أحد هذه الأسباب حرية الإعلام التي نشاهدها حاليًا. هناك حرية إعلامية ملحوظة وما إن تفتح أي صحيفة إلا وتجد مجموعة من المشاكل التي لم نكن نراها في السابق. كذلك فالأخطاء الطبية موجودة في كل أنحاء العالم. لا ينبغي لأي طبيب أن يمارس المهنة إلا بعد أن يقوم بالتأمين على نفسه أو أن يقوم المستشفى بالتأمين عليه أو بالتأمين على المستشفى لأن المطالبات تكون بالملايين. إخفاء الشهادات * كثير ممن يتابعون نتائج هذه التحقيقات لا يجدون أي عقوبات صارمة أو كافية لردع المخطئين والتقليل من هذه الأخطاء.. لماذا؟ - لا يمكن أن أجيب عن هذا السؤال لأنه يتصل بالمسؤولين، ولكن هناك ظاهرة معروفة وهي أنه إذا حدث خطأ طبي يمنع الطبيب إذا كان وافدًا من السفر حتى يتم حل المشكلة. هذا الحل قد يستلزم شهورًا أو سنوات. لذلك في كثير من الأحايين فإن الطبيب المتخصص في الجراحة أو الولادة ينصحه أصدقاؤه في بلده بألا يعلن عن شهاداته الطبية أو أن يقول إنه طبيب جراح أو طبيب نساء وولادة. وأن يكتفي بالقول إنه طبيب عام ولن يقلّ راتبه كثيرًا لأن سنوات خبرته تعوّض له الفرق. نقص الأطباء * نعاني في القطاع الطبي من نقص كبير في الكوادر البشرية من أطباء وفنيين وغيرهم.. كيف يمكن حل هذه الإشكالية؟ - لا شك أن كلّ الإخوة المسؤولين في وزارة الصحة وعلى رأسهم معالي الوزير الربيعة هي توجهات جيدة وهم يعملون ليل نهار. لكن تظل المشكلة والعائق الأكبر في عدم وجود التخطيط المسبق لاحتياجاتنا بعد 30 سنة. الروتين اليومي يأخذ معظم الوقت. على سبيل المثال لدينا الآن حوالى 11 ألف طبيب سعودي يكونون 22 % من مجموع الأطباء في المملكة. نحتاج بعد 28 عامًا (لأن عدد السكان في كل دولة يتضاعف كل 28 سنة) إلى ما لا يقل عن 60 ألف طبيب سعودي حتى نصل إلى 60 % من احتياجاتنا. لك أن تتخيل على مدى 50 عامًا من التعليم الطبي داخل وخارج المملكة لم يفرز لنا سوى 11 ألف طبيب ونحتاج خلال 28 سنة إلى 60 ألفا. ونحتاج إلى قاعدة معلومات جيدة وتنسيق عال بين وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي حتى نستطيع تخريج هؤلاء بالبكالوريوس والدبلوم. تخطيط غير متوازن * أليست الجامعات وكليات الصحة التابعة لها قادرة على توفير هذه الأعداد الكبيرة التي تشير إليها؟ - ولا 10 % منها. لا يمكن. لو ترك الأمر إلى الأيام لتحلها. هذا ليس نقدًا بقدر ما هو سعي للإصلاح. لا بد من إنشاء معاهد ولكن بناء على خطة واضحة المعالم. قد نفاجأ بعد 28 سنة بأننا لم نحقق ما نريده لأنه لم يكن لنا هدف واضح نريد أن نصل إليه ونعمل من أجله. إذا تركت الأمور للأيام والاجتهادات الفردية والتخطيط غير المتوازن فلن نصل إلى أي شيء. حتى نصل إلى هذه الأرقام أو قريبًا منها لا بد أن تكون لنا قاعدة بيانات جيدة وإصرار على التخطيط العلمي الجيد وأن يكون هناك تنسيق بين وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي والجامعات والكليات. أكبر المعوقات * بصفتك رئيسًا لمجلس إدارة معاهد السباعي الصحية.. كيف ترى المعوقات التي تواجهكم وتواجه غيركم من المعاهد الصحية، ومماذا يشتكي من يستثمرون أموالهم وخبراتهم في هذا المجال؟ - هناك عدة معوقات، وأتحدث هنا عن جميع المعاهد الصحية وليس معاهد السباعي فقط. أول معوق هو أن مستوى الطلاب الذين يأتون إلى المعاهد منخفض علميًا وفي اللغة الإنجليزية تحديدًا. هذا العائق يعوق العملية التعليمية لأن الأساس غير موجود. المعوق الثاني هو أنه وحتى عهد قريب كانت مدة التعليم في هذه المعاهد سنتين ونصف السنة، نصف السنة الأولى منها مخصص لدراسة اللغة الإنجليزية. نحن مطالبون رسميًّا من السلطات المسؤولة بأن نقوم بالتدريس باللغة الإنجليزية. الطالب بعد ستة أشهر لن يكون بإمكانه الدراسة باللغة الإنجليزية. مهما بذلنا من جهد فلن نستطيع تهيئة الطالب لذلك. لذا يظل الطالب يدرس بلغة لا يجيدها. طالبنا كثيرًا الهيئة السعودية للاختصاصات الصحية أن تزداد فترة الستة أشهر الأولى لتصبح عامًا كاملًا. أؤكد أنه حتى السنة بأكملها غير كافية لذلك الطالب الذي يأتينا من الثانوية العامة بحصيلة متدنية من اللغة الإنجليزية. لا يمكن خلال هذا العام أن نعد الطالب ليدرس ويستذكر دروسه بلغة إنجليزية. السؤال البديهي هو: لماذا يدرس الطالب باللغة الإنجليزية من الأساس؟ لماذا؟ يمكن أن نهيئ الطالب خلال العام الأول لتعلم اللغة الإنجليزية ثم نقوم بتدريسه باللغة العربية. يمكن أن يدرس الطالب خلال ذلك العام اللغة الإنجليزية والكمبيوتر وأخلاقيات المهنة. اللغة الإنجليزية للتعامل مع الآخرين. الهدف الرئيس أن يكون ملمًا ومستوعبًا للمادة التي يدرسها وليس للغة نفسها. رسوم غير مبررة * هناك من يرى أن وزارة الصحة وقطاعاتها وغيرها من الذين يحتاجون إلى خريجي هذه المعاهد والخريجين أنفسهم لا يثقون في المعاهد الصحية أو شهاداتها أو كفاءة المتخرجين منها.. فما ردكم؟ - لا ينبغي أن نأخذ الأمور بشكل سلبي. أعلم أن من بين المعاهد الصحية الموجودة هناك خريجون في نيوزيلندة وأستراليا وهم يتلقون دراسات عليا. بعضهم يتولى مراكز جيدة. لكن هناك أسبابا لضعف البقية. أحد هذه الأسباب هو التعلم بلغة لا يتقنها الطالب. كيف تطمئن لأن يدرس الطالب بلغة لا يتقنها؟ كل المعاهد الصحية الموجودة تواجهها مشاكل في التدريب العلمي. وزارة الصحة تعطي أولوية لخريجيها وتفرض رسوما على تدريب خريجي المعاهد الأهلية في مستشفياتها. لا نرى مبررًا لذلك لأن الجميع في النهاية من أبناء البلد. لا يوجد داع لفرض هذه الرسوم. التدريب في المستشفيات الخاصة صعب لأن المريض لا يرضى بأن يتدرب عليه أحد. هناك حل لهذه المشكلة وهو موجود في كل دول العالم وهو إنشاء مختبرات المهارات، وبها من الوسائل ما يمكن المتدرب من التدريب على كل المظاهر المرضية قبل أن يذهب إلى المريض ويتدرب عليها مرارًا وتكرارًا. هذه المختبرات موجودة في كل المعاهد ولكنها بمستوى ضعيف. لا بد للدولة أن تسهم في تقوية هذه المختبرات وتبذل جهودًا أكبر بحيث يكون هناك مركز لمختبرات المهارات ليتدرب فيه طلاب المعاهد الصحية الأهلية والحكومية. إشاعة غير صحيحة * ولماذا لا تكون هناك كليات صحية بدلًا عن المعاهد بحيث يحصل الخريج على بكالوريوس وليس دبلوما؟ - هذا موضوع يستحق الكتابة عنه. في كل دول العالم وكل مسار من مسارات الحياة هناك ضباط وجنود. في الرعاية الصحية تحتاج لواحد من حملة البكالوريوس مقابل ثمانية من حملة الدبلوم. حامل البكالوريوس مهيأ علميًّا للقيادة والتخطيط أو للمهارات العالية. لا تحتاج هذه المهارات العالية في أغلب أعمال الرعاية الصحية. من الصعب أن يكون الجميع من حملة البكالوريوس وذلك لسببين: لأن تنشئ كلية وتقوم بتخريج طلابها تحتاج إلى سنوات من العمل وتكلفة عالية ومرتفعة ليكون الناتج بعد ذلك خريجين لا تحتاجهم في أغلب أعمال الرعاية الصحية. دعم اللغة العربية * تبنيتم قضية التعليم باللغة العربية.. فلماذا دعوتم إلى ذلك على خلاف ما هو سائد في معظم دول العالم؟ - بالعكس مما تقول. كل المخططين والمفكرين والذي يتحرون الحقيقة يدعون بشدة للتعليم باللغة العربية. من الضروري هنا أن نفرق بين أمرين. أن نجيد لغة وهذا أمر حتمي لا يمكن أن نتناقش حوله. لا بد من إجادة لغة أجنبية سواء الإنجليزية أو الفرنسية وإن كنت أميل للإنجليزية. الخلط الذي نقع فيه أننا نظن أننا إذا قمنا بتدريس علم من العلوم بلغة أجنبية بالتالي نجيد هذه اللغة وهذا غير صحيح. للدلالة على ذلك اطلب من أي خريج من خريجي الكليات الطبية أو الهندسة –وأقول لذلك لأني مررت بهذه المرحلة– منهم أن يكتبوا صفحة واحدة باللغة التي درسوا بها على أن يكون ما كتبوه مادة غير طبية. ستجد أنهم لن يستطيعوا ذلك بدون أن يقعوا في أخطاء لا أول لها ولا آخر. أقول هذا الكلام وأنا متأكد منه. اسأل أيًا منهم: هل يقرأ صحيفة باللغة الإنجليزية أو مجلة؟ سيقول لك 97 % منهم بأنهم لا يفعلون ذلك لأن لغتهم لا تمكنهم من ذلك. ما دامت لغتهم لا تؤهلهم لذلك فإنهم يتفادون القراءة من المراجع الطبية الضخمة لأنهم لا يستطيعون القراءة بسهولة ويضطرون للقراءة من الملخصات والمذكرات الصغيرة لأننا لم نسلحهم بالقدر الكافي من اللغة. عندما تنظر إلى الدول الأخرى مثل السويد والنرويج والدنمرك وهولندا وحتى إسرائيل سترى أنهم يدرسون بلغاتهم الخاصة. ولكن الطالب عندهم يجيد -ولا يلم فقط- لغة أجنبية لأنهم يشترطون عليه ذلك ويفرضون عليه دراسة لغة بقواعدها ونحوها وصرفها. يمكن أن يتم ترتيب دراسة هذه اللغة. زحلقة المعاملات * يلاحظ أن الفساد في كثير من الأجهزة الصحية بدأ ينتشر بصورة ملحوظة سواء في القطاع الرسمي أو الأهلي وهناك تلاعب في التراخيص وفي الأدوية.. كيف ترى الأمر وأنت ناشط وخبير ويهمك هذا المجال؟ - الصحة جزء من المجتمع والعاملون الصحيون هم أبناء المجتمع والقابلية للفساد جزء أصيل في طبيعة البشر جميعهم. لا أستطيع أن أبحث هذا الموضوع بالتفصيل ولكني أركز على جانب مهم. إذا أخذنا في الاعتبار أن الإنسان بطبعه قابل للانحراف عن الطريق السوي إذا تأكد من عدم المراقبة والمساءلة. لو استطعنا تحقيق مفهوم اللامركزية بحيث نعطي المسؤولية للجهات المنفذة سواء كان مدير المستشفى أو المركز الصحي أو الشؤون الصحية ونتفرغ في المراكز العليا لوضع المعايير والمتابعة والتقييم ووضعنا كل إنسان أمام مسؤوليته بما في ذلك القطاع الأهلي. إذا بذلنا مجهودًا أكبر في المتابعة والتقييم، وهذا لن يتم إلا إذا خرجنا من المركزية الشديدة الموجودة سننجح إلى حد بعيد. هذا لن يقضي على الفساد ولكن سيقلل منه بنسبة كبيرة. إذا وضع الإنسان أمام المسؤولية ووجد هناك من يراقبه ويتابعه ومتأهبا لمحاسبته ومكافأته إذا أحسن -ماديًا وأدبيًا- فإنه سيحسب حساب كل تصرفاته. هذا الأمر غير موجود لأن الجميع مشغولون بالمتابعة وسير المعاملات بين الجهات المتعددة. عندما كنت أعمل في وزارة الصحة كان أحد زملائي في الوزارة يقول لي إن مهمته «زحلقة» المعاملات. سألته كيف؟ كان يقول لي إنه يأتي بالليل لأنه كان هناك عمل خارج وقت الدوام لكبار المسؤولين. كان يجد أعدادًا كبيرة من المعاملات وكان لا يستطيع أن يذهب حتى ينتهي من إنجازها جميعًا. كانت تأتيه معاملات كثيرة كان ينبغي أن تحل من مصدرها ولكن ليست لديهم الصلاحيات الكافية، ولأنه لا يستطيع البت في المعاملات كلها كان يكتب على كل واحدة «أفيدونا برأيكم» ويقوم بإعادتها مرة أخرى. لو أعطى كل مسؤول الصلاحيات الكافية وتمت متابعته فإن هذا سيقلل كثيرًا من الأخطاء وعدم المراقبة الكافية.