رامبو شاعر فرنسي قال الشعر في صغره! فلما أصبح في ريعان الشباب سكت نهائياً وأراد له الله أن يموت وهو في ريعان شبابه! إلاَّ أن رامبو بالرغم من حياته القصيرة وعمره الشعري الأشَد قصراً يعتبره الفرنسيون واحداً من أهم الشعراء، حتى أنهم يحتفلون بذكراه في كل عام! وفي إحدى تلك الاحتفالات جمع أحد الفرنسيين ولغاية في نفسه مختارات من أشعار رامبو ونسبها إلى نفسه بعد أن نسخها بخط يده وأرسلها إلى إحدى الصحف الباريسية الهامة ولما تأخر نشرها أراد الاستفسار عن مصيرها فاتصل بالمسؤولين في التحرير واعتذروا له بأدب وقالوا إن أشعاره غير (مُسْتسَاغة) وتحتاج إلى إعادة نظر! ولا تصلح للنشر ونصحوه بأن يقرأ الشعر كثيراً ولكبار الشعراء خصوصاً الشاعر العظيم رامبو حتى يتماسك أسلوبه ويصبح بإذن الله من كبار الشعراء..؟ وهذه الحادثة ذكرتني برواية أخرى قالها لي صديق من دولة عربية وهي أن أحد المطربين المبتدئين في بلده قدم نفسه إلى لجنة تحكيم واختبار الأصوات ونصوص الأغاني وغنى أمامهم بصوته العذب الرقيق الجميل أغنية هَادئة وحَالمة اختار لها نصاً جيداً وقد وُفق في انتقاء الكلمات التي تليق بمستوى ذوق المستمعين وتحترمهم! وكانت لجنة التحكيم مكونة من أربعة أشخاص وعندما بدأ يغني أمام هذه اللجنة بكل عواطفه وأحاسيسه وبأسلوب رومانسي هادئ قاطعوه وهو مُندمج مع أغنيته وأخبروه بعدم صلاحية أغانيه! وخلاصة القول إن لجنة التحكيم لم تجد فيه الصوت العذب المُعبِّر ولا الكلمات الجميلة! وذهب هذا الشاب في حال سبيله مكسور الخاطر! وبعد فترة من الزمن طرأت على بال هذا الشاب فكرة نفذها حالاً إذ عاد مرة أخرى وبشكل آخر بعد أن أرْسَلَ شَعر رأسِه ووضع (المكياج) على وجنتيه ولبس هنداما مزركشا وسروالا مُمَزَّقا (ومُرقَّعا) وسَلاسِل في الرقبة واليدين وتقدم إلى نفس اللجنة واصطحب معه ثلاث فتيات جميلات شبه عَاريات ومعهن (موترسِيكل) واختار كلمات ركيكة ومفككة وعلى عواهنها وتعبيرات منحطة! غناها بصوت عَالٍ والموسيقى الصاخبة من وراء هذا الهُراء والفتيات يتمايلن من حوله يميناً وشمالاً كحِبال اللُّوبيَا وهو يصرخ ويقفز (ويَتَشقلَبْ ويَنطَحْ) الفتيات برأسه دون فهْم للكلمات التي ينطقها ولجنة التحكيم في قمة النَّشوَة والانسِجَام! وكانت النتيجة مبروك لك مستقبل عظيم بل أنت مطرب العصْر!! ولنتخيل هذه المهزلة التي تدعو إلى الحزن والضحك في آنٍ واحد لغياب الحس والتذوق والتَّسَلط على النصوص التي تحتاج إلى قاموس من نوع خاص حتى نفهمها؟ والبعض يضع جملاً مَشِينة تخْدش الحَيَاء وشتائم للوالدين داخل أغنيته حتى تدغدغ مشاعر بعض الشباب الضائع بفراغه! للأسف هذا هو طرب وجَع الدماغ المفروض علينا في هذا الزمن! فالمظهر أصبح أهم من الجوهر! والهُراء والتفاهة والسطحية ولغة الضجيج والهيصة والفوضى هي الرائجة! بل هي الأكثر توزيعاً والأغلى ثمناً! ونقول رحم الله الماضي الجَميل ومُطربِيه العُظماء؟ [email protected]