هنا وقعت عيني على جدار الطين.. وسمعت صدى الذكريات.. حينها تذكرت تلك الأيام والليالي..أخذت أظلل على عينيَّ اتقاء أشعة الشمس.. لأرى خيال شيخ يلوح لي من بعيد، فتبعت ذلك الشيخ.. وهو يمشي برويّة وسكينة ووقار.. كلّما خطا خطوات توقف قليلاً ورفع رأسه للسماء وهو يقول: لا إله إلاّ الله.. تبعته وتبعته.. فرأيت أناسًا تقبّل رأسه، وتمسك يده.. وهو يمشي تارة ويستريح أخرى.. والعرق يتصبب من جبينه.. مر على والدي وجلس عنده، وطلب منه خبزًا يابسًا!! قام أحد الفتية مسرعًا، فأحضر خبزًا أحمر.. آهٍ.. كيف أنسى صوت تكسر الخبز في يده! أم كيف أنسى طعم المرق المسكوب عليه..!! ثم أشار بسبابته نحو الأرض قائلاً: “هنا نصبر أيامًا قليلة، وهناك تعقبنا راحة طويلة”.. ثم قال: “حمدًا لله.. حمدًا لله.. حمدًا لله.. مضت سنون.. وسنون.. ولكن..! ما زلت أتذكره وهو يلعق أصابع يده.. كأنه قد عزف نايًا حزينًا يرمم لنا الذكرى ويبقى بين الهدب دمعة..