ظاهرة أطلت برأسها في كثير من المجتمعات، ويكاد الإنسان يراها يومياً، فأصبح من المعتاد والناس خاشعون في صلاتهم وعاكفون في مساجدهم أن يقطع هذا الخشوع صوت مطربة تشدو بأغاني الحب والغرام، أو أن يتطفل عليهم صوت مغنٍ يبث لواعج الهوى والعشق لمحبوبته، أو أن تصك أسماعهم صوت موسيقى غربية صاخبة. هل فقدنا إحساسنا بحرمة المساجد؟ وهل نسي البعض قدسية المساجد وعلو منزلتها في الإسلام للدرجة التي أصبحنا معها نؤدي صلاتنا بآلية ودون تدبر أو خشوع؟ ما الذي يجعل شبابنا يفعلون ذلك؟ وعلى من تقع مسؤولية التوجيه والإرشاد؟ "الرسالة" حملت هذه الأسئلة وبحثت عن إجابات لها عند بعض الدعاة والتربويين فاختلفت إجاباتهم بين قائل يلقي اللوم على الشباب ويحملهم مسؤولية هذه التصرفات، وبين آخر يصر على الدور التوعوي المنوط بالمدارس والمساجد، وبين من يشخِّص المشكلة على أنها مشكلة تربوية في المقام الأول، إلى غير ذلك من الآراء التي نقرأها بين سطور التحقيق التالي: مصادرة الخشوع يبتدر الدكتور عبد الرحمن علوش المدخلي عضو هيئة التدريس بجامعة جازان التعليق على هذه الظاهرة بقوله: إن إزعاج المصلين بقراءة القرآن مكروه عند الفقهاء، فكيف عندما نزعجهم بشيء من الأغاني الفاحشة والموسيقى عند الصلاة؟ هناك بعض الأخوة هداهم الله من حيث يشعرون أو لا يشعرون يجعلون المساجد مسارح للأغاني والموسيقى، والأدهى من ذالك والمصيبة عندما تكون نغمات الجوال لبعض الأخوة موسيقى أو أغاني غربية، وهم بهذا كأنهم أدخلوا هؤلاء الغربيين الكفار ليغنوا في مساجدنا، وهنا يكون الخطر الشديد، فلو رأى صاحب هذا الجوال هذا الكافر يريد أن يدخل المسجد - في الحقيقة - من الممكن أن يقاتله ليمنعه من ذلك، لكنه يدخله من خلال أغانيه. على جميع الإخوان أن يراعوا هذا الأمر وينتبهوا إليه، وأن يراعوا حرمات الله ويعظموها. وأكد المدخلي خطورة هذه الأفعال بالقول: مثل هذه الظواهر فتنة تؤثر على خشوع المصلين والجو الإيماني المطلوب في المساجد، فبدلاً من أن يكون قلب الإنسان وعقله مع تلاوة الإمام وآيات القرآن، بالتأمل والتدبر، فإن هذه الأصوات والموسيقى تصرفه تماماً عن ذلك، كما أن لذلك محاذير شرعية لا ينكرها أحد ومنها إدخال الموسيقى والأغاني الخادشة للحياء إلى بيوت الله وإزعاج المصلين وصرفهم عن صلاتهم. وبالتالي أين الاحترام والتقدير لهذه الأماكن المقدسة؟ ومن المفارقات العجيبة أنه حتى في الدول التي يدين أهلها بالهندوسية والبوذية وغيرها فإنهم يرفضون الكلام داخل معابدهم أثناء أداء العبادة ويحترمون أديانهم، فلماذا لا نحترم أماكن عبادتنا وديننا وهو الدين الحق؟ لا بد أن يكون للأئمة دور فعال في تنبيه المصلين وتذكيرهم بأهمية مراعاة ذلك. ظاهرة دخيلة ومن جهة أخرى يؤكد الشيخ يوسف الخلاوي الباحث في الدراسات الشرعية بجامعة الإمام حرمة هذه الأفعال، قائلاً: لا يجوز استخدام نغمات الأغاني والموسيقى لا في المساجد ولا في غيرها، غير أن استخدامها في المساجد وأماكن العبادة أشد ذنباً. أرى أن البعض في حاجة إلى تربية وتنبيه، ومن الغريب أننا لا نشاهد مثل هذه الممارسات إلا في بلادنا والبلاد المجاورة، ولكن عندما نزور بلاداً كثيرة لا نراها، أي أن الناس في تلك الدول اعتادوا إذا ذهبوا إلى غرض ما يستلزم منهم التركيز أو الانتباه فإنهم يضعون جولاتهم على الصامت أو يغلقونها، فلماذا لا نفعل مثل ذلك في بيوت الله وهي الأولى بالانتباه والتركيز؟ وأوضح الخلاوي ارتباط هذه المسألة بالتربية وقال: لدينا إشكالات تربوية كثيرة تحتاج إلى معالجة، فلو انضبطت التربية ستزول الكثير من الظواهر السلبية، فالتربية بشكل عام مطلوبة وأساس التربية يوضع داخل الأسرة ثم يُِكمّل في مؤسسات المجتمع المدني ابتداءً من المدارس وانتهاءً بالجامعات والأماكن الاجتماعية العامة، حتى لو كانت تلك التربية لا تقوم على التدين فمن الأولى ومن المفترض من أهل هذا البلد هو الحرص على دينهم من أي بلد آخر .... وأكد الخلاوي انحسار مظاهر التربية في المجتمع وضعفها في الوقت الحالي، وقال: مظاهر التناقض في مجتمعنا كثيرة وهذا يدل على أن التربية ضعفت حقاً، فالأسر تفرط في تربية أبنائها، وتلقي بالمسؤولية على المدارس، وبالتالي غابت التربية بشكل كبير، وأصبحنا ندفع ثمن ذلك في مجتمعنا المعاصر؛ فالأخلاق عنصر أساسي في بناء المجتمعات، ولا بد أن يتوافق التطور في مجالات الحياة التقنية والعلمية مع المحافظة على الأخلاق، وبذلك نضمن حسن استخدام هذه الوسائل الحديثة بطريقة مناسبة، أما إذا لم يرافق هذا التطور تعزيز للقيم وحفاظ على الأخلاق فسوف تظهر الممارسات السالبة والآثار الجانبية لهذه الاكتشافات الحديثة، مثل ما نراه من سوء استخدام للجوالات المزودة بالكاميرات وأصوات الموسيقى. وهنا يبرز سؤال هام: لماذا لا نرى في المجتمعات المتطورة مثل هذه المشكلات التي نراها في بلادنا؟ فنحن نرى أن استخدام الاكتشافات الحديثة في تلك الدول يتم بسلاسة وطبيعية بدون أي تفلتات. من علامات الساعة وبدوره يوضح الشيخ عبد الرحمن حمد إمام وخطيب أن مثل هذه النغمات لا يجوز إدخالها في المسجد واصفاً ذلك بأنه من علامات الساعة، وقال: هذه النغمات تشوش على المصلين وتخرجهم عن خشوعهم في الصلاة،كما أنها محرمة سواء كانت في المسجد أو خارجه وعلى كل من يضع في جواله مثل هذه النغمات أن يتق الله عز وجل ويبتعد عن مثل هذا الفعل المحرم. ومضى حمد قائلاً: هؤلاء يحتاجون إلى توجيه، فهم لا يدركون ما يقومون به، ولكنهم يفعلونه من باب التقليد فقط؛ فالدور الذي نقوم به كأئمة وخطباء هو التوجيه فقط ولا نستطيع غير ذلك وليس معنا عصا موسى، فلدينا هذا المنبر الذي نتحدث منه للناس ونوجههم لعل الله ينفع بنا عباده فالخير موجود في امة محمد صلى الله عليه وسلم. غياب المفاهيم من جانبه يقول الشيخ إبراهيم الحارثي إمام وخطيب أن مثل هذه الظواهر غير لائقة بغض النظر عن الحكم الشرعي فيها، ويقول: من غير اللائق أن ندخل هذه الأغاني والموسيقى إلى بيوت الله، ومن المفترض أن يكون لهذه البيوت حرمة وأن يتعامل الإنسان مع المسجد بشكل يتناسب مع المسجد، وأن يغلق الجوال أو يضعه على الصامت، ومن المفترض أن يكون حريصاً على أن لا ينقطع عن الصلاة والخشوع لأي مؤثرات خارجية، فكيف لو كانت هذه المؤثرات مقاطع موسيقية أو أغاني؟ ففي ذلك إساءة للشخص نفسه حتى لو كان ذلك خارج المسجد في العمل أو في سوق أو أي مناسبة فهذا الأمر يزري بالرجل ويقلل من قيمته وقدره، فكيف لو كان ذلك في بيت من بيوت الله؟ حينئذ يكون أكثر حرمة وأعظم ذنباً. وأضاف الحارثي أن من يستخدمون تلك الرنات في بيوت الله لديهم غياب في المفاهيم الصحيحة وفي كيفية التعامل مع الأماكن بما يناسبها وبالتالي هم في حاجة إلى تغيير مفاهيمهم وتصوراتهم. وختم الحارثي قائلاً: لا يختلف اثنان على أن هذه الأصوات تؤثر تأثيراً غير جيد على المصلين، وعندما يكون الإنسان في المسجد ويستمع للإمام يتدبر في آيات الله وتنبعث هذه الموسيقى والأغاني وتخرجه ومن معه من المصلين من الجو الإيماني والخشوع لله عز وجل فإن ذلك يثير ضيقهم وتبرمهم ويسبب لهم الإزعاج. *********************** والسؤال القائم: هل يمكن الاستعانة ببرامج متخصصة لقطع الاتصال وقت الصلاة؟ البخاري: توجد حلول تقنية للخروج من الأزمة باجنيد: أجهزة قطع الاتصال لها أضرار كثيرة وعن وجود برامج متخصصة يمكن استخدامها في المساجد لفصل الجوالات يقول إبراهيم بخاري المتخصص في تسويق ومبيعات أجهزة الاتصالات إمكانية ذلك، ويقول: هنالك أجهزة متعارف عليها عالمياً تقطع الاتصال وذلك بعرقلة الإرسال وعدم وصوله إلى دائرة معينة، وهناك برامج متخصصة في ذلك، وشركة نوكيا أنزلت مثل هذه البرامج. أما عن إمكانية تغيير هذه النغمات الشاذة داخل المسجد عن طريق شركة الاتصالات فيقول المهندس أسامة باجنيد كبير مهندسي أعمال صيانة شبكة الجوال إنه لم يسمع وليس لديه علم بإمكانية قطع الاتصال داخل المسجد، وقال: حتى لو لم يكن مثل هذه البرامج موجودة لكن يمكن عمله باستحداث جهاز أو برنامج معين ليعمل في وقت محدد هو وقت الأذان والصلاة، وبذلك تتغير تلك النغمة أوتوماتيكياً في جميع مدن المملكة. واستدرك با جنيد قائلاً: كانت هناك أجهزة تقطع الإرسال داخل المسجد منذ فترة مضت ولكن منع استخدامها لما تسببه من أضرار. ****************************** ... وشباب يدافعون عن أنفسهم واستطلعت "الرسالة" آراء بعض الشباب الذين يضعون هذه النغمات على جوالاتهم وسألتهم عن المغزى من تلك التصرفات، ويقول الشاب محمد أحمد: السبب الرئيسي لوضع مثل هذه النغمات هو مسايرة الموضة، وأي شاب يقوم بوضع أحدث الأغاني السائدة في الوسط الشبابي. كما أن هناك دافعاً آخر وهو ان الشباب يسعون لإسماع أصدقائهم ما لديهم من أغنيات ليتباهوا بأذواقهم وهذا ما يدفع الشباب لوضع هذه الأغاني في الجوالات. من جهة أخرى أوضح الشاب ظافر الشهري أنه يسعى وراء التميز، وقال: أضع في جوالي أكثر من أغنية وأخصص نغمة معينة لكل واحد من أصدقائي، لأعرف من يطلبني دون أن أنظر في الجوال. مثلا أخصص لأمي أغنية (ست الحبايب) والشخص اللطيف أخصص له أغنية لنانسي عجرم أو هيفاء وهبي وهكذا تتنوع النغمات. وأضاف: الشهري قائلا من جهة أخرى الموضة تلعب دوراً كبيراً في ذلك، وإذا ظهرت أغنية جديدة أضعها كنغمة كي يسمعها الآخرون، وعندما أكون في سفر أو ليس لدي ما أفعله أبدأ في الاستماع لما لدي من أغانٍ مخزّنة داخل جهاز الجوال.