كتب الشيخ عيسى الغيث قاضي المحكمة الجزئية في الرياض في الشرق الأوسط (6 إبريل) مقالاً عنون له (مصالح التقنين)، أي تقنين الأحكام القضائية دفعاً لما أسماه الشيخ (تشويه لسمعة الأحكام القضائية في تفاوت بعضها أو تناقضها، وتشويه لسمعة البلاد التي تحكّم الشريعة)، وعليه (يتعين التدوين الملزم لدفع هذه المفسدة التي تزايدت مع مرور الأزمنة وتكاثر الأمكنة، وتغاير الظروف، وتعدد الحالات، وحصول الفروق عن الأشياء والنظائر..). قد لا يكون مضمون المقال جديدا في مجمله، لكنه مهم بسبب مصدره، فهذا شاهد من داخل المؤسسة القضائية ينادي بما نادى به الكثيرون من قبل، فقامت الدنيا ضدهم ولم تقعد. وذُكرت أسباب قل اتسامها بالوجاهة فيما يتعلق بقضايا هذا العصر، وبنوعية التأهيل الذي يحمله القضاة اليوم مقارنة بما استجد ويستجد كل يوم.. (فاستنباط الأحكام الفقهية لتطبيق الحكم منها على واقع القضية يحتاج إلى مهارة علمية وملكة قوية ودراية تامة بالمصادر ومنازلها، وتمييز قوي الروايات من ضعيفها. وهذه المرتبة يقصر عن بلوغها الأكثر. ومن المعلوم أن أكثر الفقهيات فيها خلاف بين المذاهب الدائرة وخلاف في المذهب نفسه، فيكون هناك مجال للحكم في قضية واحدة على أحد الأقوال في المسألة مما يحصل فيه التفاوت في قضيتين متماثلتين مما يخالف مناط الشريعة وعدالتها، حيث إن هذا التباين فيه تظلم ووقيعة في عرض القاضي والقضاء، كما أن هذا التفاوت قد يسري عند تجاذب الحكم في القضية بين محكمة الدرجة الأولى وما فوقها من تمييز واستئناف..). وسلبية أخرى ناتجة عن طول أمد التقاضي، ففي كل مرة يلزم القاضي وقتاً أطول للدراسة والتمحيص والاجتهاد والاستنباط، وربما السؤال والمشاورة. ووقت آخر يستغرقه التمييز أو الاستئناف لاضطراره المرور على الإجراءات نفسها خاصة إذا تعارض رأيه مع الحكم. القضاء هو المؤسسة الأهم في رحلة الإصلاح التي يرعاها مليك البلاد -يحفظه الله- وهو حجر الزاوية الذي تعتمد عليه كل نظريات الإصلاح، وكل محاولات الحد من الظلم والفساد والجور. والتقنين نوع من التنظيم وضرب من التحديث والمعاصرة وكلها لا تأتي إلا بخير إن شاء الله. [email protected]