سنوات طويلة وهم بعيدون عن دائرة الضوء .. يكرهون عدسات الإعلام ويضيقون ذرعا بكثرة الكلام بل ويرفضون أن يقترب من عالمهم أحد وربما يرشقونه بالحجارة إذا تجرأ وحاول اقتحام دنياهم «الغريبة» هائمون بلا مأوى يفضلون الحياة «عراة» وكأنهم يحاولون بدايتها من السطر الأول سطر الميلاد . وعلى الرغم من العزلة التي يعيشها هؤلاء بين الأودية السحيقة والجبال إلا أن المجتمع أكمل المنظومة وقدم لهم سياط النكران بديلا عن وسادة الرأفة و الرحمة والأمان وأصر أن يستجمع البعض منهم داخل مستشفى نفسي متهالك لا يصلح لأن يكون مأوى و ملاذا للحيوانات الهائمة. حكايات من وراء قضبان «نفسية عسير» وأخرى من خارج أسوارها تستجمعها المدينة في ملفها «المثير» وتقف على الأوجاع والصرخات التي يعيشها أناس محسوبون على الدنيا ولم تضعهم الدنيا في حساباتها . الوعود الوردية بمستشفى نفسي جديد يليق بالانسان ذهبت أدراج الرياح . وبدأت القطاعات المعنية تلقي بكرة المسؤولية وتتقاذفها بعيدا حتى لا يسألها أحد .. أين أنت من هؤلاء ؟ لجان من الشؤون الصحية والدفاع المدني وإمارة المنطقة طالبت بإيجاد مبنى بديل يقدم خدماته ل 120مريضا - رجال ونساء - ينتظرون الموت على أسرة الشفاء ولكنها عادت لتدون في تقريرها أن جميع المباني التي توفرت حتى اليوم لا تتطابق مع مواصفات المستشفى النفسي الذي ينبغي ألا يزيد عن دورين ليتحرك المريض بحرية، إضافة إلى عدم توفر أفنية وحدائق في هذه المباني وهي من الأمور الهامة في العلاج النفسي ومع انتظار الحدائق الملاعب والمبنى ذي الدورين يبقى المرضى ينتظرون أمل الهروب وهدية الموت -أيهما أقرب- قبل أمل الشفاء . الغريب أن أكثر المرضى النفسيين يفتقدون نظرة الشفقة والرحمة من ذويهم ، منهم من يعاني من تخلف عقلي وأعراض نفسية مصاحبة، ومنهم من يعاني من مرض فصامي . ومنهم من يعانى إهمال الأهل وابتعادهم عن ساحته ومنهم من رفع راية «اليأس» وعبر عن رفضه لكل الحياه بتمزيق ثيابه والعيش عاريا .. من لهؤلاء ؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه «المدينة» على صفحاته وتستجمع كل الأطراف من أجل الإجابة عليه. غاضب.. تسعيني يفتش عن فتات الرزق ويهرب من شبح الشيخوخة لا يعرف الكهرباء والهاتف والإنترنت .. ويتحدث بمفردات الأدباء العارفين محمد غاضب عسيري تسعيني من جيل مختلف لا يعرف الكهرباء والهاتف والانترنت . شق طريقه في الجبل والوادي .. بدأ مشوار حياته ذي التسعة عقود بين ركام الحجر عاشها متنقلا بين الجبال والوهاد في بادية تهامة عسير كل ذلك من اجل توفير لقمة العيش له ولأهله . ورغم سطوة العمر وعدم إتقانه للقراءة والكتابة إلا أن أسلوبه المثقف وحاذقة أهل البادية كان عنوان حديثه معنا قائلا : طفولتي كانت قاسية.. لقد كانت حياة الطفولة مليئة بالمغامرات والذكريات الجميلة رغم قساوة ظروف المعيشة وصعوبة متطلبات الحياة فقد قضيت ال ( 15 ) سنة الأولى من حياتي بالبادية في هذه الجبال الشاهقة وراء رعي البهم .. ولم يحالفني الحظ التعلم عدا ما تيسر من سور القرآن القصيرة من كتاب الله على يد والدي ، وذلك لعدم وجود المدارس في ذلك الحين وأضاف أنا أعاني من أمراض الدنيا كلها ، ولعل من الأمراض التي أعاني منها مرض ( الشيخوخة ) وهكذا لا نستطيع أن نعيش زمننا وزمن غيرنا .. أنا في هذا الجبل وحدي في عزلة عن العالم ومنذ أزمنة وآبائي وأجدادي يسكنون هنا في هذه البادية .. ولا يوجد لديه الآن إلا دخل الضمان الاجتماعي الذي يصرف شهرياً (800 ) ريال ، وأنا الآن أعيش مع ابنتي وزوجها اللذين تكفلا برعايتي . عسيري يتوسد ذراعه ويلتحف ثوبه المتسخ وينام بلا غطاء قصة أخرى يعيشها محمد حسن معيض عسيري الملقب ب «أبو سعد» والذى يعيش حياته معزولا عن العالم في بادية الفسح ( 120) كم غرب منطقة عسير ، « أبو سعد» يعيش بلا مصدر رزق إلا فتات الضمان الاجتماعي والذي لا يتجاوز ال 800 ريال لا تفي بمستلزمات الأدوية واحتياجاته الضرورية من السوائل والحليب. أبو سعد البالغ من العمر 100 عام يتوسد ذراعه و يلتحف ثوبه المتسخ وينام على سرير محتضنه بحره وبرده .. وأكثر وقته عارياً كما خلقه الله ، يحمل من العمر أكثر من مائة عاماً ولا يدري عنها شيئاً ، وهو الآن كفيف لا يعرف هل هو بالليل أم النهار .. ورغم حالته السيئة يرفض أن يودع القبيلة التي عاش فيها ويذهب إلى دار الإيواء التابعة للشؤون الاجتماعية بأبها . من يراه يحسبه قد ولد في زمن غير الزمن ، يكره السيارات ولا يحب الفراش على السرير الذي يرتاح إليه وإذا حاولت الوقوف أمامه لتداعبه يقبض على يدك ويبدأ في الهذيان بكلام عشوائي .. حاولت .. بكل السبل أن أحرك لسانه ليتحدث إلا أنه أبى ورفض بشدة ولم يعرني أي اهتمام وعاد ليلقي بجسده منبطحاً على سريره دون أن يدري أين هو الآن وكيف ستدور به الدوائر غداً .. !! لا يزال تائهاً في واد سحيق بمنطقة نائية تفتقر للصحة بل إنهم يعتمدون على التداوي بالأعشاب .. سألته.. عن اسمه فلم يجبني.. !! قلت له هل تعاني من مرض ..؟؟ قال إني مصاب بجميع الأمراض .. !! دعوت له بالشفاء . وقلت له: أين أسرتك ، قال : ليس لدي أسرة وأنا مقطوع من شجرة ولا أحد يسأل عني .. !! لكنني سعيد في هذا المكان فهناك من يقدم لي المساعدة ولا أحد يعارض في بقائي هنا .. !! ولا أريد أن أرحل من هنا حتى أموت في هذه البادية التي عشت فيها طفولتي وشبابي وكهولتي .. ! وعندما.. أكثرت عليه أسئلتي ارتمى على سريره معلنا نهاية الحوار معي وكأنني غير موجود. مزهر: لا علاقة بين المبنى وخدمات المرضى منصور علي مزهر المشرف العام على مستشفى الصحة النفسية بأبها قال ليس هناك علاقة بين سوء المبنى والإهمال في علاج المرضى فالعاملون في المستشفى يبذلون قصارى جهدهم في علاج المرضى وتقديم خدمات مناسبة لهم بالشكل المناسب والمتاح ، مضيفاً أن المستشفى يعد من المستشفيات المتخصصة في علاج الأمراض النفسية، وقد حقق العديد من الخدمات للمرضى على مدار السنوات الماضية وهو يتجه لتطوير الخدمات النفسية بما توفر من إمكانيات متاحة وقال خدماتنا الطيبة .. جيدة ولكن موقع المستشفى غير مناسب وهناك جهود والموضوع الآن بالوزارة وتم الإعلان سبع مرات للبحث عن مبنى بديل ولم يتيسر ولم يأت عرض مناسب يشجع للانتقال حتى أننا بحثنا عن موقع بمحافظة خميس مشيط بموافقة سمو أمير منطقة عسير والمباني التي تقدمت لنا قديمة ولا تصلح للمستشفى ولدينا الآن عرض جيد وهو في أروقة الوزارة . اللواء الثبيتي: وقفنا على المبنى “المتهالك” ورفعنا ملاحظاتنا للصحة اللواء عبدالواحد بن عويض الثبيتي مدير عام الدفاع المدني بمنطقة عسير قال لقد سبق الكشف على مبنى الصحة النفسية بأبها من قبل لجنة مكونة من الدفاع المدني ومستشفى الصحة النفسية بأبها والشؤون الصحية بالمنطقة، وتم إعداد تقرير متكامل بملاحظات على المستشفى من ناحية اشتراطات السلامة اللازمة له ومخاطبة الشؤون الصحية بمنطقة عسير لاتخاذ ما يلزم بشأن هذه الملاحظات والإسراع بحلها عاجلاً.. وهناك مباني مستشفيات أخرى ومراكز الرعاية الصحية الأولية بالمنطقة طالبنا باستكمال ما يلزم حيال توفير واستكمال متطلبات واشتراطات السلامة، ونحن نتابع من قبل جهة الاختصاص لدينا بالدفاع المدني.. ولدينا تقارير بكل هذه الملاحظات ومتابعاتها إلى الجهات ذات الاختصاص في الشؤون الصحية. حقوق الإنسان: تحرك سريع لحل معضلة النفسية الدكتور مفلح بن ربيعان القحطاني نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان قال إن موضوع الخدمات الصحية المقدمة للمرضى النفسيين على وجه الخصوص تحتاج إلى اهتمام أفضل ممّا هو عليه الآن، وكانت مشكلة مستشفيات الصحة النفسية من ضمن الموضوعات التي تم مناقشتها في الحوار الوطني قبل يومين، وأعتقد أن هناك توصيات خاصة بها وكلنا أمل أن يكون هناك تحرك سريع لحل مشكلة مستشفى أبها للصحة النفسية مؤكدًا أن هناك متابعة من الجمعية لحث المسؤولين في وزارة الصحة على تقديم العناية للمرضى النفسيين والمحافظة على حقوقهم . كما سيقوم أعضاء الجمعية بمنطقة عسير بزيارة المستشفى وإعداد تقرير كامل عن الوضع الراهن للمستشفى ومن ثم التنسيق مع الجهات المسؤولة للتعرف على حل المعضلة. عضو بالشورى: المرضى في ذمة د. الربيعة عضو مجلس الشورى وعضو مجلس منطقة عسير الشيخ عبدالوهاب بن محمد آل مجثل قال إن مبنى مستشفى الأمراض النفسية بأبها، لم يعد مناسباً للمهمة مؤكدا أن الأمر لا يخلو من المحسوبية والمجاملة لصاحب المبنى فالعقود الحكومية للمباني المستأجرة لا تتعدى العشر سنوات .. فما بالك بمبنى تعدى العشرين والثلاثين عاما وهنا تأتي أهمية دور الرقابة في التأكد من الالتزام بالمعايير الصحية والطبية والإنشائية للمباني ولعل هذا النوع من الرقابة يساعد كثيرا على الحد من الأخطاء التي نقع فيها . ولم يخف آل مجثل تخوفه من كارثة انسانية متسائلا هل نبقى مكتوفي اليدين حتى تقع المصيبة ومن ثم نتبادل الاتهامات واللوم . فالدولة - أعزها الله - اعتمدات المليارات لكل قطاعاتها ولا مشكلة في النواحي المالية المشكلة تكمن فيمن يديرها فالمباني في أبها موجودة وصالحة ومهيئة ، لكن الحل في وضع حد معين للإيجار . وحمل آل مجثل وزير الصحة شخصياً المسؤولية مؤكدا أن هذه الفئة ممن جار الزمن عليهم في ذمة وزير الصحة شخصياً . د. الحبيب يعترف: التعديات عرقلت «أمل عسير» مدير عام الصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور عبدالحميد بن عبدالله الحبيب قال: نعترف بعدم صلاحية المبنى ونحن لم يبدر منا القصور فقد طرحنا عدة إعلانات للاستئجار للمبنى ولم نجد البديل المناسب ونحن خلال هذه الأيام أوشكنا على الانتهاء من ايجار للمبنى وهناك اشتراطات في المبنى المقترح للنقل فيه من زيادة غرف وتعديل في المبنى واشتراطات السلامة من افياش كهرباء وعوازل وكما تعلم ان هؤلاء الفئة من المرضى يحتاجون إلى عناية خاصة والمبنى على كل حال الذي سوف يتم الانتقال فيه لابد له من مواصفات يوفرها المالك ، فهناك خصوصية لهؤلاء الفئة ..كما تم اعتماد مستشفى أمل وصحة نفسية في عسير بتكلفة تقدر ب ( 120) مليون ريال بسعة ( 200 ) سرير على مساحة تبلغ حوالى (21 ) ألف متر مربع وقد اعتمد المشروع منذ عام 1428ه ولكن البناء تعثر بسبب مشكلات الأرض. تعدّيات “لعصان” وراء تأخير مشروع النفسية رئيس لجنة التعديات على الأراضي الحكومية بإمارة منطقة عسير خالد سليمان قال في يوم الثلاثاء الموافق 13-6-1430 وجّه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد أمير إمارة منطقة عسير لجنة التعديات بإزالة أكثر من كيلو متر مربع في أبها على أراض ترجع ملكيتها للشؤون الصحية بمنطقة عسير في حي لعصان وقد سبق ان تم الاعتداء عليها من قبل مواطنين وتعود ملكية الأرض للشؤون الصحية بالمنطقة بصك شرعي من عام 1396 ه فيما ادعى عدد من المواطنين أن الموقع لهم من عهد الآباء والأجداد بموجب وثائق منذ عام 1344ه واعترضوا على صك الشؤون الصحية حيث تم تمييز الصك و رفعه للهيئة العليا للقضاء الأعلى ونظر الصك (13) قاضيا ما بين محكمة أبها وهيئة التميز والقضاء الأعلى وتم البت بملكيته للشؤون الصحية بمنطقة عسير ..وقد تمت الإزالة بمشاركة الإمارة والقوات الأمنية وقال رئيس التعديات لقد قامت لجنة مراقبة الأراضي الحكومية وإزالة التعديات بمنطقة عسير بالوقوف على التعديات التي أحدثها المواطنون وقد واجهت خلال اعمالها بعض العوائق من قبل بعض المواطنين في الموقع غير أنه تم حلها دون حدوث عرقلة للعمل.