السعودية: الدولة الفلسطينية ليست محل تفاوض ولا تنازلات    «ربع مليار» القيمة السوقية للهجن المشاركة في مهرجان خادم الحرمين الشريفين    جامعة سعود أبطالا للبادل    القبض على نيبالي في الشرقية لترويجه الحشيش    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان في محافظة الريث: طاعة ولاة الأمر من طاعة الله ورسوله    «السوق»: 30 يوماً لاستطلاع الآراء لتطوير البيئة التنظيمية للصناديق الاستثمارية    رصد التربيع الأول لشهر شعبان في سماء المملكة    25 شركة مجرية تتأهب للاستثمار بالسعودية في «التقنية والرقمنة»    جازان تحصد الذهبي والفضي في جسور التواصل    إسرائيل تقتحم منازل في الضفة وتشرّد 3200 عائلة فلسطينية    جلطات الزنجبيل تستنفر الصحة وتحيل مدعي الطب البديل للجهات المختصة    التنافس يشتعل على «هداف الدوري»    "مكتبة المؤسس" والهيئة الملكية لمحافظة العلا توقعان مذكرة تفاهم    واشنطن: العجز التجاري يرتفع.. والواردات لمستوى قياسي    "تكامل" تواصل ريادتها في قطاع التكنولوجيا بمشاركة في مؤتمر ليب التقني 2025    سعود بن مشعل يدشّن 179 مشروعًا تعليميًا في جدة ومكة    موسم الرياض يرعى حفل الزواج الجماعي ل 300 عريس    أمانة الشرقية والسجل العقاري يقيمان ورشة رحلة التسجيل العيني للعقار    أمير الشرقية يرعى توقيع اتفاقيات لتعزيز التنمية المستدامة ودعم القطاع غير الربحي    إنطلاق المؤتمر ال 32 لمستجدات الطب الباطني وأمراض الكلى بالخبر    هداية" تحتفي بإنجازاتها لعام 2024.. أكثر من 1500 مسلم جديد خلال العام    الدوسري يعلن رغبته في البقاء مع «الأزرق»    "شتانا ريفي" يصل إلى المدينة المنورة ويعرض أجود منتجات الريف السعودي    أمين القصيم يلتقي مستشار معالي رئيس الهيئة السعودية للمياه    محافظ الأحساء يشهد ملتقى "المدن المبدعة" في اليونسكو العالمية    القيادة تهنئ رئيس جمهورية بوروندي بذكرى يوم الوحدة لبلاده    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد القوة الخاصة للأمن البيئي بالمنطقة    خطط أمريكية لسحب القوات من سورية    وزير الحرس الوطني يستقبل سفير البوسنة والهرسك لدى المملكة    القبض على مواطن لنقله 3 مخالفين لنظام أمن الحدود    البديوي يؤكد أهمية تفعيل التعاون الأمني بين الجانب الخليجي - الأوروبي    «صحة جازان»: خطط لتطوير القطاع غير الربحي    طالبتان من الطائف يحصلن على المستوى الذهبي وطالبتان تفوزان في مسابقة تحدي الإلقاء للأطفال    مدفوعة برؤية 2030.. 7 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى عالمياً    رابطة العالم الإسلامي تثمِّن عاليًا تأكيد المملكة موقفها الثابت والراسخ من قيام دولة فلسطين وعاصمتها "القدس الشرقية"    مقترح بتحويل «بني حرام» إلى وجهة سياحية وربطها ب «المساجد السبعة» بالمدينة المنورة    الكويت: صدور مرسوم أميري بتعديل وزاري يشمل "الداخلية" و"الدفاع"    ولي العهد ورئيس الإمارات يبحثان تطوير التعاون    الاقتصاد السعودي.. أداء قوي واستدامة مالية    في ختام الجولة 20 من" يلو".. الباطن يواجه النجمة.. والجندل في ضيافة العربي    السماح للشركات الأجنبية الخاصة ب«الطلب» بنقل الركاب    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    تحديث بيانات مقدمي الإفطار الرمضاني بالمسجد النبوي    منهجية توثيق البطولات    بيئة حيوية    الرياض تحتضن بطولة المملكة المفتوحة للكيك بوكسينج    فريق جرعة عطاء ينظم فعالية للتوعية بمناسبة اليوم العالمي للسرطان    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي الثاني لطب حديثي الولادة في جازان    وزارة الصحة بالمدينة المنورة تنظم دورة تدريبية للمتطوعين الصحيين    شتان بين القناص ومن ترك (الفلوس)    نصائح عند علاج الكحة المستمرة    تطبيع البشر    بئر بروطة    80 يوما على سقوط المطالبات التجارية    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    رئيس الوزراء الصومالي يصل إلى جدة    العلاقات بين الذل والكرامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عند اللحظة الأخيرة
نشر في المدينة يوم 14 - 04 - 2010


تصطخب في أعماقه شتى الأحاسيس، كالبركان الخامد، وبتدرج بدأت نوبات التفكير تتفتق في ذهنه، بين الكراريس والأطفال، مثل المهرج طيلة خمسة عشر عامًا، يزرع الحروف والأرقام في العقول المتكونة، لتفلح الآفاق، وتينع سنابل الآمال، مما بدت له صفحات الأيام وكأنها بيضاء كلها، حتى أنه فقد رونق الألوان الأخرى، تشبع من التكرار الممل، خطُ سير واحد لحياته يسلكه دومًا.. يبرز له فجأة شيء صغير قاسٍ يلغي الآمال، يطفئ بريق العيون، يدفن الحياة حين تبدأ.. تبدو الأمور مقلوبة عنده تمامًا.. عندها يخرج الأستاذ “عامر” من غرفته يحمل الكآبة، ولهيب الحرارة، يتفكر في تفاهته، وضعفه، وضآلة شأنه، يتمتم مع نفسه بتعاسة وهو يسير: - كأن لحذائي صوت يرن على الرصيف كئيبًا، كأفكاري الصغيرة.. يلجأ إلى السواك، يشوص به أسنانه، عسى فيه امتصاص لتفاهته، ورتابته، يتقدم بخطى وئيدة إلى البائع يجده مغمورًا بسعادة يفقّدها، تذكر .. هناك مستقبل ينتظره، البيت اللامع، الزوجة، الأطفال، وأشياء أخرى مشبعة بالدفء. يأخذ بالسواك، أصبحت أصابعه أكثر عصبية، ليست كالتي تحتضن الطباشير بلطف كل يوم، والسواك ما يزال ينقب في أسنانه، يهرس به شفته الرخوة، وتداعى في ذهنه أن عمره كله ليس أكثر من عود سواك يابس. آيل للرحيل يومًا، أحس بضيق في تنفسه، لعل غبار الطباشير قد سبب له حالة من الربو المزمن، أخذته نوبة سعال عارمة، سأل نفسه في حيرة: لماذا الآخرون..؟! إنهم أصحاء! وملابسهم جافة ونظيفة كالصابون .. واكتسحه غضب أحمق، لقد كان يود أن يحكم تلك الحشرات المتسلقة في غرفته، لقد بدا له وكأنها تمتص حياته كالعلق، ونفس الوجوه في الشارع كانت تلتقي به صلبة متماسكة، أو تجعله يشعر بالهشاشة والهرم، وتبادر إلى ذهنه أن تلك الوجوه ما تزال تنمو؛ أما هو فقد توقف عن النمو إلى الأبد، يلجأ إلى (المتنزّه الشعبي) متكأه الدائم، ومفرغ مأساته مع الأصدقاء، لكنه لا يجد مبتغاه. تمتم في شرود ذهني: يظل الفرح مفقودًا.. لم تبعث فيه سحنة المتنزّه ذلك السرور الأزلي، كانت الكآبة ما تزال تجتاحه كالإعصار، لقد أصبح أثريًا في متحف مهجور، للمكان رائحة تجري مع الهواء المشبع بأنفاس متعبة. وغمغمات الحناجر تتصاعد حوله، يتناول الشاي، وتنهداته تتعالى وغاب في خضم التأمل، يبصر ذبابة قادمة تحط على فنجانه، مما بعث في نفسه القرف والغثيان، وتحسّر لتفاهته، لكنه شعر بقيمة التحرر من القيود كتلك الذبابة.. لماذا ينتظر.. ولماذا الانتظار..؟ سقط السؤال في داخله بشكل مباغت، صار يجرحه مثل سكين حاد، تحولت كآبته الصفراء الباردة إلى غضب جارف، فدفع فنجان الشاي بقوة، بحركة عصيبة، فهوى على الأرض، تحطم بصخب، دبت الحياة في القطعة الأثرية المهملة، وأومض في داخله ألق صغير مبهج، نظرة متفائلة مددت حالة التحول فيه، حالة أصابته برعشة غامضة، عادت قدماه تنزلقان على الرصيف، بعد أن خرج تائهًا، وفي هذه المرة كان لوقعهما معنى تسلل دافئًا إلى أعماقه، عاد إلى غرفته ليلاً كانت تملأ المكان أشعة بيضاء كالحليب، امتلأت الغرفة برائحة نهار جديد، كان يود أن يستمتع باللحظة الفريدة، كان متشوقًا إلى الانتصار ولو مرة واحدة في حياته المترعة بالهزيمة.. وفي اليوم التالي خرج من غرفته، يصل المدرسة، ينفذ بحسه إلى أعماقها، يجابهها، يحس بصمتها، يتخطى نظرات الأبواب، استقلته عفوية المكان، جابه المدير.. يستمع لتوبيخه وقسوته وهو صابر، ينتظر اللحظة.. لحظة التفجر.. (تقديم الاستقالة)، ولكن تراجع شيء ما في أعماقه، وانكمشت شفته في ألم، لا يدري عامر. لماذا أحس في تلك اللحظة البليدة أنه عجوز، يتلاشى مع نهايته وخيبته، ولم ينبس إلا بجوابه المعهود: لا تؤاخذني يا سعادة المدير.. واستدار في صمت، وقد انطفأ الأفق الكاذب.. وككل مرة كان وقع قدماه رتيبًا لا معنى له.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.