من جديد تحولت حوادث متزامنة من بعض رجال الهيئة إلى قضايا رأي عام ، وأخذت أبعاداً واسعة بفعل ما نقلته صحفنا بدرجات متفاوتة على مدى الأيام القليلة الماضية بين تغطيات ومتابعات ، وما تناوله الكتاب من آراء وتعليقات القراء مما يعكس ردود فعل بينها أصوات غاضبة وأخرى (ناقمة).الذي حدث معروف – حسب ما تناقلته الصحف - سواء في المدينةالمنورة بإصابة شخصين خلال هروبهما قفزا فوق المنازل،أو بالنسبة لواقعتي تبوك، بحبس الفتاة في مقر فرع الهيئة وتقييدها واستغاثتها، والثانية مقتل شاب برصاص والد طفل خلال كمين للشاب نصبته الهيئة وإصابة عضو الهيئة برصاص القاتل ومن ثم أصبحت القضية لدى أجهزة التحقيق المعنية بالحقيقة والعدالة.لكني أود أن نتوقف عند نقطتين متداخلتين بشدة:الأولى أخطاء بعض رجال الهيئة ..ومن ثم النقطة الثانية وهي طبيعة التناول الإعلامي لها. إذا تحدثنا عن أخطاء بعض رجال الهيئة،فهي لا شك موجودة وهي في نفس الوقت مرفوضة، وهناك حدود وأسلوب للنصح أكد عليه ولاة الأمر باتباع الحسنى والموعظة الحسنة ، عملا بالتوجيه الإسلامي من الكتاب الكريم والسنّة المطهرة..وما تنص عليه أنظمة وضوابط عمل الهيئة وتأكيدات الرئاسة،وآخرها ما شدد عليه معالي الرئيس العام الشيخ عبد العزيز الحمين في الملتقى التوجيهي الأول لفرع الهيئة بعسير،كذلك الأبحاث والتوصيات للمؤتمرات والندوات ذات الصلة بالهيئة،والخطة الاستراتيجية (حسبة) وبرامج الهيئة للشراكة مع الجامعات وخطط التأهيل لأفرادها الموجودين بها وللجدد. والسؤال هو: هل جهاز مهم في دوره وكبير في هيكلته بهذا الحجم يمكن أن تنتفي منه الأخطاء مائة بالمائة؟! وهل من المنطقي أن نطالبه بأن لا يبدر منه خطأ أو تجاوز فردي؟!أليس شأنه شأن أجهزة كثيرة وأفراد في كل موقع وآباء ومعلمين وحتى دعاة؟ نعم طبيعة دور الهيئة يدعوها لاستمرارية المراجعة والمتابعة والتطوير لأسلوب العمل، وفي مواقف وحالات معينة تكون المسؤولية على الأجهزة الأمنية وهي تعرف واجباتها وصلاحياتها لمنع الجريمة أيا كانت أو التعامل مع المشتبه بهم أو المتورطين ، لكن تصيد أخطاء بعض رجال الهيئة والانتقادات المركزة في اتجاه واحد ترسخ ثقافة النفور ، ليس فقط من دورها وإنما في أساس وجودها ،وهذا من شأنه تحريض بعض الشباب وحتى الفتيات على التصادم وتجرؤهم على رجال الهيئة.. كما أن ازدواجية الضرر تقول لنا أيضا : إنه إذا كان من بريء - فتاة كانت أم شاباً، رجلاً أم امرأة- قد يقع ضحية موقف ملتبس بالاشتباه لدى أحد رجال الهيئة دون تحري الدقة.. أو من وقعت ضحية إغواء شياطين الجن وشياطين الإنس من الذئاب البشرية، فإن الخوض الصحفي يهتك سترهم وتلوك الألسنة أعراضهم حتى وإن كان العنوان الصحفي يدين تجاوز أفراد من الهيئة. وكما قلت وأؤكد:لا أحد يبرر التجاوز من بعض رجال الهيئة ولا السكوت عنه .لكن إذا كانت الرئاسة العامة تقوم على تطوير الهيكلة والأداء الميداني والتحقيق في الأخطاء،فإن على المجتمع أن يقدّر ذلك ويعين الهيئة على دورها العظيم ،وأن لا تكون الكلمة سيفا مسلطا مع كل حادثة، فنقيم الدنيا ولا نقعدها، وننسى أصل الحوادث من انحرافات في المجتمع وإهمال تربوي.فكيف ندين هذه ونتغاضى عن تلك! إن ما تقوم به الهيئة ومن قبلها الأجهزة الأمنية يجب أن يقابله مسؤوليات جادة وحقيقية منا جميعا، أفرادا وأسراً وكافة مؤسسات المجتمع ذات الصلة، خاصة في ظل المد الهائل للتحولات في المجتمع من مفاهيم ومظاهر سلبية وسلوكيات منحلة مما لا نقبلها لأهلنا لكنها موجودة ، وعصابات وأفراد يسعون لإشاعة الفواحش وأوكار الرذيلة وخمور يستهدفون بها شبابنا،ومن جاء إلى البلاد لا ليتكسب بالحلال وبسبل مشروعة وإنما بتلك الطرق المهددة لأمن وسلامة المجتمع وهدم أخلاقه. فلنعن على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإبداء النقد الموضوعي للتقويم وليس بالتهييج بسبب أخطاء فردية،من شأن تضخيمها بهذا الإلحاح وبهذا التعميم تقديم صورة مجانية خاطئة للخارج (وشهد شاهد من أهلها) وكأن دور الهيئة هو التسلط والقمع للمرأة خاصة ولحياتنا الاجتماعية عامة ،وهذا بالمحصلة يسيء حتما إلى ديننا ووطننا وقيمنا التي ارتضيناها. أما من لا يرضاها فهذا شأن آخر يطول الحديث فيه. والله الهادي إلى سواء السبيل.