* في مراحل طويلة من عمري مارستُ الرياضة كشبه محترف، سواء في المدرسة أو الجامعة أو نادي عكاظ في الطائف. وأثناء دراستي في الولاياتالمتحدةالأمريكية مارست الرياضة، وشاهدتها، ولمستُ معانيها وأهدافها الفردية والمجتمعية. وقد خرجتُ من كل ذلك بيقين سائد في كل المجتمعات البشرية المعافاة من الأمراض، بأن الرياضة فروسية ونبل. * وفروسية ونبل الرياضة تتمثل في انعكاساتها على الفرد بتهذيب سلوكياته، وتحسين تصرفاته، فيقبل الهزيمة كما يقبل الانتصار، والمقابلون له ليسوا خصوماً بقدر ما هم منافسون، والتنافس يبدأ وينتهي فوق أرضية الملعب، سواء ملعب كرة قدم، أو سلة، أو العاب قوى، أو مسبح، أو برية كما في سباق الضاحية إلى آخر تلك الفضاءات التي تحتضن الأنشطة والألعاب الرياضية. * كما ان الرياضة في انعكاساتها وتأثيراتها المجتمعية العامة تؤثر في ترسيخ معاني الفروسية، والنبل على كل أبناء الكينونة المجتمعية الممارسة لها. فالجماهير تنتشي بالانتصار، وتتوشح بالفرح للفوز، ولكنها وفي ذات لحظات الفرح والانتشاء تتقبل الهزيمة بروح متسامحة وأخلاق نبيلة، وتحترم منافس فريقها حتى في حالة انتصاراتهم. * ولكن وهي استثنائية محزنة ومفجعة ما أشاهده واسمعه في أيامنا هذه ممّا يدور بين الأوساط المجتمعية السعودية، سواء جماهيرية أو عامة، وما يحدث على أرض الملاعب كرة قدم أو غيرها ليس له أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بأيٍّ من معاني الفروسية والنبل. فالجماهير في جانب حوّلت حماسها وتشجيعها لفريقها إلى ساحات حرب ضد جماهير الفريق المنافس، ولاعبو الفريق أنفسهم حولوا أرضية الملعب إلى حومة كر وفر قتالية تشاهد فيها كل أنواع الركل، والرفس، والضرب، والبصق، وصوراً لا أخلاقية على الإطلاق. * والمبكي أن وسائل الإعلام الرياضية بما فيها القنوات التليفزيونية الناقلة للمباريات على الهواء مباشرة تساهم بدون وعي وإدراك في ترسيخ كل ما هو ضد الفروسية والنبل من سلوكيات منفلتة. فالصحفي والمعلق التليفزيوني أو الإذاعي يستخدمون ألفاظاً لا أعرف إن كانوا يدركون بحق خطورة انعكاساتها على الذهنية الجماهيرية من العامة ومن صغار السن. فهذا اللاعب (الذابح)، وذاك (السفاح)، والمباراة (معركة حقيقية).. إلى آخر الأوصاف التي لا تستخدم سوى في مجازر المواشي، وأراضي المعارك الحربية. * الرياضي النجم رمز للناشئة في سلوكياته وتصرفاته، والفريق الرياضي رمز للمدينة وللحي وللدولة، ولهذا فالمجتمعات البشرية الراقية تستثمر هكذا ثوابت لزرع وترسيخ معاني وفضائل ومبادئ سلوكية تدفعها إلى الانضباط والسلوك المجتمعي المتماهي مع الأنظمة والقوانين، وبما ينعكس إيجاباً على كل أبناء كينونتها المجتمعية، وهو ما يتضح بصورة جلية في التزام أبناء تلك المجتمعات بالتعاملات الحياتية المنضبطة وسيادة النظام. * نحن في حاجة إلى تقنين الرياضة، وإلى إخضاعها في كل مكوناتها المادية والبشرية إلى الانضباطية الصارمة، حتى وإن كان ذلك على حساب المستوى الفني، فاللاعب الفارس والفريق النبيل أهم وأثمر من اللاعب المنفلت أو الفريق اللامنضبط حتى وإن كان الأولان اقل مستوى فنيا من التاليين، فالرياضة أولاً وأخيراً فروسية ويجب ترسيخ هكذا معنى.