يمكن القول إن من أهم مؤشرات نجاح الانتخابات العراقية الأخيرة عدم استخدام المرجعية الدينية أو الطائفية شعاراً عندما ضمت القائمة الواحدة أطيافًا متعددة ، وعندما توجه ملايين العراقيين على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والعرقية والجغرافية لصناديق الاقتراع رغم قذائف الهاون التي سقطت على بعض المراكز الانتخابية ليؤكدوا على تمسكهم بوحدة العراق الآمن المستقر المزدهر ولمن يجمع العراقيين تحت مظلة المواطنة والهوية والسلم الأهلي . لذا فإن الأمل يظل قائمًا بأن يتم تشكيل حكومة إئتلاف وطني شاملة وقوية ومتجانسة في القريب المنظور لتلبية آمال وتطلعات الشعب العراقي ، ولمواجهة تحديات ما بعد الانسحاب الأمريكي حيث لم يعد يخفى على أحد أن هناك من يتربص بالعراق سوءًا بعد هذا الانسحاب المقرر نهاية العام المقبل لتعزيز مكانته الإقليمية بأمل أن يحل بوجوده وتدخلاته محل الفراغ الناجم عن انسحاب القوات الأمريكية. ولعل التفجيرات التي شهدتها بغداد وما حولها في الأيام الأخيرة الماضية تشكل جزءًا من هذا السيناريو المحتمل حيث تشكل الفوضى والإرهاب وزرع الفتنة بين فئات الشعب البيئة المواتية التي تسمح بمثل هذا التدخل السافر في شؤون العراق من قبل تلك القوى الخارجية التي تهدف إلى اللعب بالعراق بعد الانسحاب الأمريكي حسب أهوائها وكما تشاء ، بما يقوض آمال الشعب العراقي وينسف مكتسباته التي حققها في تلك الانتخابات . الضمانة الوحيدة لعدم حدوث هذا السيناريو هي بدون شك الضمانة العراقية الوطنية التي تؤكد على سيادة وتحرر واستقلالية الأرض والإنسان في بلاد الرافدين ضمن الهوية العراقية التي ترفض التفرقة بين العراقيين على أساس مناطقي أو مذهبي أو عرقي ، وترفض التدخل الخارجي في شؤون العراق أو محاولة العبث بأمنه واستقراره وقراره الوطني وإرادته السياسية ، وتساعد في ذات الوقت على بناء علاقات متكافئة وأخوية مع دول المنطقة والعالم وانتهاج سياسة إقليمية «شرق أوسطية» متوازنة مع دول الجوار، والتعاون معها بما يحقق المصلحة الوطنية العراقية . طريق بناء العراق صعب ووعر وطويل ، ويتطلب شراكة من قبل كافة الأحزاب والقوى الوطنية العراقية لتدشين مرحلة جديدة في تاريخ العراق تخلو من الإرهاب والطائفية والفتن و المحاصصة والمحسوبية والفساد.