« الوطن» ليس مجرد التراب الذي نعيش عليه ولا الإنسان الذي يمشي عليه ولا حتى الهواء الذي نستنشقه ، إنه كل ذلك وأكبر من كل ذلك ، إنه الإيمان الذي يعمر القلوب ويثمر الأمن والأمان للنفس والجسم معا ، إنه التراث الذي يشكل الخلفية القوية وصمام السلام والخير للحاضر والمستقبل في الدنيا والآخرة ، إنه المكتسبات التي يسعى المخلصون من أبنائه لبنائها والرقي بها ومن خلالها نحو الأفضل دوما ، إنه كل خير ينبت في الأعماق وينتشر في الفضاء من حولنا ، إنه وطن الدين والإنسان والتراب. وإذا كان الحوار بين بعض الأطراف التي تمثل توجهات فكرية أو عقائدية تحاول ترسيخ مفهوم الوطن والوطنية بأسلوب هادئ بعيد عن الانفعالات والتوتر فهذا جيد ولكن إلى حد ما ، رغم أن الغاية تحجيم التوترات التي تنشأ عن مواقف ورؤى للتاريخ الماضي دوره في نشأتها وللحاضر المعاصر دور في تأجيجها أحيانا ، ولذلك فإنه من الصعب تحقيق التوازن الحقيقي وجذرنة العقلانية والانفتاح على الآخر دون شفافية مطلقة وحقيقية ، ودون صراحة عميقة تجتث عفونات التاريخ وتجاوزات الحاضر لبدء صفحات ناصعة – قدر الإمكان – خالية من الشوائب والتشنجات العقائدية والفكرية وإلا فإن أية محاولة لا تتخذ هذا الطريق تكتب فشلها لنفسها. وأسلوب المجاملات والتغاضي عن أخطاء التاريخ أو الحاضر الفكرية والعقائدية دون مناقشتها بعقلانية وعلم راسخ وشفافية مطلقة لن يتمكن من بناء الوطن ولا ترسيخ الانتماء والولاء له ولأهله ولعقيدته ، فالمجاملات لا تعدو أن تكون نموذجا للتقية المعروفة لدى بعض الطوائف ، وهي هنا أضحت للجانبين منهما ، وهي لن تضع لبنة واحدة في بناء الوطن ، بل قد تكون خنجرا مسموما يغرس في خاصرة كل مواطن لا الوطن وحده ، لذلك فعلى من يريد حمل راية توحيد الكلمة ولم الصفوف والقضاء على بذور الفتنة - أيا كان نوعها- أن يعرف مدى المخاطرة والجهد وثقل المسؤولية لتحقيق الأهداف المنشودة في هذا المشروع الخطير والمهم فعلا0 كتبت هذه الأسطر كرؤية شخصية – وأرجو أن تكون صحيحة إلى أبعد حد – حول الحوار الذي قدمه الإعلامي المعروف الدكتور عبد العزيز قاسم حيث استضاف الدكتور الشيخ سعد البريك والشيخ حسن الصفار ، وكان حوارا جميلا ، لكن المقدم حاول الابتعاد عن المشاجرات التي تحدث في برامج الحوار في قنوات أخرى ، لكن هذا لا يعفيه من توفير مساحة كافية من الشفافية والصراحة والوقت ليتمكن طرفا الحوار من الحديث والتعبير عن القضايا بوضوح وحرية ومن ثم الاتفاق على أسس قوية ومتينة في أخطر قضية يعاني منها العباد والبلاد0ولأن أوقات البرامج التلفزيونية لا تكفي أصلا للمناقشات الحساسة فإن مركز الحوار الوطني هو أفضل مجال لها إذ بدأ المشروع في لقائه الأول لكنه انشغل فيما بعد بقضايا جزئية إدارية وفكرية ليست في درجة خطورة هذه القضية، فليت المركز يعود من حيث بدأ ليتم تفعيل الحوار الوطني الحقيقي بين أطراف الاختلاف الفكري والعقائدي والسياسي ومن ثم وضع اللبنات القوية في مكانها من بناء الوطن الغالي.