عندما فتحنا أعيننا على الدنيا ، كانت الدنيا ما تزال بخير . لقد كان الصغير يحترم الكبير ويجله سواء كان يعرفه أم لا يعرفه . وقد درجنا نحن في المدينةالمنورة على مخاطبة الكبير بضمير الجمع فكنا نقول للرجل الأكبر منا عندما نريد الاستفسار عن حاله : كيف حالكم ؟ بدلا من : كيف حالك ؟ وذلك لإحساسنا بالخجل من مخاطبة من كان في سن آبائنا بضمير المخاطب لما في ذلك من تطاول وادعاء للندية مع من يتوجب علينا إكباره وتقديره . لعل جيلي هو آخر الأجيال التي تربت على هذه القيم . الآن اختلف كل شيء ، ولم يعد كل شيء كما كان في السابق . لقد تغير مجتمعنا إلى الأسوأ رغم أن المجتمع اليوم يبدو في الظاهر أكثر تدينا مما كان عليه المجتمع في تلك المرحلة الجميلة . لقد فَقَد الناس سلامهم النفسي وأصبحوا أكثر عصبية وقلقا ، والأدهى من ذلك أنهم أصبحوا أكثر جرأة على كسر حاجز الاحترام فيما بينهم . لم يعد لكبير السن قيمة كما كان الأمر في السابق ، صار المراهقون في الشوارع يتطاولون على من هم في أعمار آبائهم بسبب الحصول على موقف للسيارة ، أو بسبب ما يرى المراهق أنه مأخذ على أسلوب من هو في مقام والده في القيادة . وبعيدا عن علاقة الصغير بالكبير وما شابها من تغيرات جذرية ، فإن مجتمعنا بدأ يفتقد الإحساس بقيم كثيرة ومن ضمنها قيمة الجوار مثلا . عندما كنا صغارا كان الجار بمثابة الأخ أو القريب ، أما الآن فإن الدارج هو ألا يعرف الجار عن جاره شيئا . ربما يعرف كلا الجارين أسماء بعضهما البعض ، أما فيما عدا ذلك فلا شيء بالمرة . لا أحد يعرف ما لدى الآخر من أولاد ، ولا أحد يقوم بزيارة الآخر أو يدعوه لزيارة منزله . لقد أصبح الجيران غرباء رغم أنه لا يفصل بينهم سوى جدار من الإسمنت ، لكن الجدران النفسية هي ما تحيل هذا الإسمنت إلى طبقة من الفولاذ المحصن ضد أي نوع من أنواع الاختراق . ترى من سرق قيمنا ؟