أتفق تماماً مع قال به ابن عقيل الظاهري، فبالفعل الحداثة سجال فكري خاصة في الشعر لكنني أرى الشعر الحداثي له جمالياته وقيمته الفنية التي لا يستطيع إنكارها أحد،ولكن يجب التفريق بين أنواع الحداثة الشعرية فهناك حداثة جماهيرية وهي تلك الحداثة التي قادها الراحل أمل دنقل فالتصق شعره بالجماهير وعاش معهم، وهناك حداثة نخبوية هي المرتبطة بالشعر الذي يتفاعل معه الصفوة من المثقفين وكلاهما مطلوب في الثقافة العربية ويكمل بعضهما بعضاً،خاصة أن الثقافة في مجملها هي الوعي والعمل الوعي بما يحدث حولك والعمل على تغيير الجانب السلبي في هذا الواقع، فالثقافة هي الوعاء لتاريخ أي بلد وهي البوصلة التي توجهنا، و الشعر هو قلب الثقافة، والذي تتضح فيه ملامح وسمات الثقافة بوضوح، فهو الفكر والفن والإبداع والحرية والوضوح ،هو قيمة أخلاقية فنية يعبر عنها الشاعر الذي يجب أن يكون له مثل أعلى يبغي الوصول إليه، هذا المثل لا يوجد في الواقع، لذلك فالشاعر يبحث فيما وراء الواقع،وهو بذلك يجمع في شعره بين الحداثة والأصالة المطلوبة. وأن هناك كثيرا ممن يختلفون حول عباس العقاد وكتاباته سواء الأدبية أو الدينية،وأنا كنت واحداً من هؤلاء الذين اختلفوا معه، ولكني مع ذلك أؤكد أن عباس محمود العقاد من القامات الأدبية والفكرية العربية التي لا يمكن الخلاف عليها أو تجاهل دوره في تطور الثقافة العربية، أما عن خلافي معه فيرجع ذلك إلى الرؤية الشخصية لكلا منا في الشعر والقالب الشعري، فالعقاد كان يرى أن شعر التفعيلة هو الشكل الأوحد للشعر العربي والذي يجب أن نلتزم به، أما أنا فأعتقد أن الشعر حالة من الانفعال والمثل الأعلى يعبر عنها الشاعر بأي أسلوب وأي شكل، لذلك كتبت القصيدة العمودية بجانب النثر وشعر التفعيلة ،وفي شعري لا اهتم كثيرا بالحب والهجر ووصف المحبوب، لكني أهتم باللحظات الإنسانية شديدة الخصوصية والتي تتمتع بالصدق الخالص . ففي قصيدتي "مرثية لاعب سيرك" مثلا أعبر عن حالة لاعب السيرك الذي يواجه الموت في كل لحظة من حياته ،ولعل هذا ما دفع البعض لأن يلقبني ب"شاعر الصدمة و اللحظات الإنسانية الصادقة" وهذا اللقب يسعدني كثيراً،والساحة الشعرية تمتلئ بشعراء مختلفين من حيث الشكل على الأقل، فهناك القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة والقصيدة النثرية، فقصيدة التفعيلة هي الشكل الأساسي للشعر العربي منذ الأزل، وقد ظهرت القصيدة العمودية كرد فعل لها وكشكل جديد يمكن من خلاله أن يعبر الشاعر عن أفكاره ومشاعره، والآن ظهرت القصيدة النثرية لدى جيل شباب الشعراء كشكل جديد، فكل عصر له خصوصيته الذاتية واعتقد أن الثقافة والأدب العربي له قدرة كبيرة على استيعاب هذه الأشكال وأي أشكال أخرى يمكن أن تظهر في المستقبل، ويستطيع الشعر خاصة أن يكون لغة للحوار ووسيلة للتفاهم والعمل المشترك.