"أنا أول كرواتي يزور القاهرة، ويترجم إلى العربية"، هكذا قدم الكاتب الكرواتي "ضامير قراقاش" نفسه في القاهرة مظهرًا فخره بذلك السبق، حيث فضل في زيارته الأولى أن يختلط بالمثقفين المصريين على مقاهيهم بصحبة مترجمه الدكتور أسامة القفاش. قراقاش أصدر عدة كتب منها: "البوسنيون أناس طيبون"، "مقاتلون"، "سينما ليكا" التي تحولت إلى فيلم سينمائي مثَّل كرواتيا في العديد من المهرجانات الدولية، انخرط في صفوف الجيش الكرواتي بين عامي 1990 و 1992، ثم عمل مراسلاً حربيًّا للجرائد الكرواتية والبوسنية، وأيضًا في كوسوفو، كما عمل في قسم الحوادث في العديد من الجرائد والمجلات المتخصصة في أخبار الجريمة والفضائح. التقيت قراقاش في أحد المقاهي جلس “الأربعاء” إلى قراقاش وهو يستهل حديثه متناولاً فترة مشاركته في صفوف الجيش الكرواتي ما بين عامي 90، و92، وعمله مراسلاً حربيًا حيث يقول: دخلت الحرب وكنت طالبًا بالجامعة، بعد موت الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروس تيتو الذي كان كرواتيًّا، وبدأت يوغسلافيا مرحلة تفكك بعده، وحدثت مشكلات بين الصرب والكروات بسبب خلافات شديدة التعقيد، وتعلمت أن الحرب لا تؤدي إلى فوز أي طرف على الآخر، فالجميع خاسرون. وفي رواية "مقاتلون" كتبت عن الجيش، ما فيه من فظاعة وما ارتكبه الكروات مثلما ارتكبه الصرب، كتبت عن تجربتي الشخصية في الحرب، لا بد أن يعرف الناس الحقيقة. روح كونية وحول ملامح قصصه يضيف ضامير: أنا أكتب قصصًا عن الحياة اليومية في مناطق من كرواتيا تتميز بأنها شديدة الخصوصية والإقليمية، ومن ثم تتميز بروح كونية عالمية، أتكلم عن أولئك الفلاحين الذين قدموا من القرى وتاهوا في المدن وضاعوا، وهي مشكلة موجودة في زغرب وباريس والقاهرة، وكل المدن الكبرى، هناك أوجه شبه كبيرة جدًّا بين الكروات والمصريين، وقيل لي إن شخوص قصصي "إسكيمو" تشبه إلى حد كبير سكان الصعيد فى مصر، أيضًا هناك تشابه بين العرب والكروات فى الحالة الاقتصادية والميل الثقافي نحو الغرب، المواطنون الكروات يؤيدون الحق الفلسطيني، ويناصرون العراق ويرفضون تمامًا الاحتلال الأميركي، ورغم أنني عشت في الغرب، والمدن الأوربية فإن القاهرة مدينة مدهشة، كأنها مركز من مراكز العالم، المصريون والعرب يتكلمون من قلوبهم ومشاعرهم، ورغم أنها المرة الأولى التي آتي فيها إلى مصر فإني أشعر أنني أعرفها. قراقاش العربي ويتابع ضامير: نعم، العالم العربي مدهش ومذهل من جوانب عديدة، المعمار واللغة، يحتاج المرء ألف عام كي يرى القاهرة كاملة، أنا الكاتب الكرواتي الأول الذي يرى القاهرة، حتى أنه سألني صحفي هل صار قراقاش عربيًّا؟ لقد انبهرت بالقاهرة، وأفكر في القدوم لمدة عام للكتابة عن الحياة فيها، أريد أن أزور مدنًا عربية أخرى مثل دبي ودمشق. رأيت أنني كشخص من الاسكيمو وعليّ أن أحسن نفسي خمس مرات حتى آخذ اعتباري. عندما أتجول بالقاهرة سواء بالسيارة أو على قدمي أنبهر ولا أدري هل أكتب أم أعزف أم أغني، الناس عندنا تظن أنهم بالقاهرة سوف يرون الفراعنة، وأن هناك حربًا بين الفرعون والكاوبوي. أمريكا وخراب العالم ويواصل قراقاش حديثه عن المنطقة العربية والحروب الدائرة في كثير من أصقاع العالم بقوله: الحرب في البلقان كان لا بد منها، لكن بالنسبة لأفغانستان والعراق فهي بحث عن الأموال والتمويل، ويحكمها الجشع.. الجشع الأميركي الذي يتطلب السيطرة على كثير من مناطق العالم، وهذا يتطلب إخافة باقي البشر، أحيانًا تكون الحرب ضرورية، لكن على الولاياتالمتحدة أن تعيد النظر في سياساتها العدوانية لأن هذا سيؤدي إلى خراب العالم. ضد الكتابة السياحية وينتقل ضامير بالحديث مبينًا سبب اختياره ل"اسكيمو" عنوانًا لمجموعته التي ترجمت إلى العربية مؤخرا، وصدرت بالقاهرة قائلاً: في "اسكيمو" أتكلم عن نفسية المواطنين في منطقة ليكا، وكتابتي تميل إلى الجانب النفسي، لا أكتب كتبًا ثقيلة أو كبيرة، وإنما مليئة بالمشاعر، المواطنون في ليكا أناس ذوو مشاعر متدفقة، لكنهم لا يعرفون كيف يعبرون عن مشاعرهم، وبالتالي تأتي تعبيراتهم فجة، يأتون بالأحلام وتقذفهم المدينة، تصدهم فيشعرون بالغضب، يعيشون بيننا في عالم مواز، اسم "اسكيمو" يشير إلى أنهم من كوكب آخر، ورغم أنهم على كوكبنا لا نراهم يشاركون في كأس العالم ولا المهرجانات الفنية. أكتب عن القرية الحقيقية بكل فقرها وغضبها وبما تحويه من الانحطاط، كثير من الكتاب يكتبون عن القرية كأنها موطن البراءة، وهذا غير حقيقي. يعتقد الكثيرون أن المرأة في القرية مخلصة وتحب زوجها، لكن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق، أكتب بشكل خشن وحقيقي، أحاول أن أعرف المدينة بالحالات الحقيقية لهؤلاء الناس. هناك موقف مبدئي، الناس ليسوا أشرارًا أو خيرين، لا أكتب كتابة سياحية، المواطن المصري والعربي لا بد أن يعرف حقيقة ما يحدث. هناك الكثير من الكذب، وعلينا أن نكتب عن هذا، عندما زرت باريس وجدت كثيرًا من الكذب أيضًا، الفرنسيون مواطنون متعصبون، ويتظاهرون بعكس ذلك، عندما أنزل إلى المترو أجد مواطنين من كافة الأشكال والألوان، لكن في القنوات الفرنسية ليس سوى المواطن الأبيض، عشت في باريس مع العرب، وتعرفت بالكثير منهم، وأسأل نفسي ماذا بعد ذلك، عندما ذهبت إلى باريس كان هناك حلم، اعتقدت أن هناك أدبًا وثقافة، ووجدت واقعًا مختلفًا، ومن هنا تعلمت أن أرى المدينة بشكلها الواقعي وليس كما أراها في الأحلام. المهمشون في العواصم وحول فيلم “المهمشون” الذي أخذ عن مجموعته القصصية "صور من ليكا" يضيف ضامير: الفيلم من إخراج الكرواتي داليبور ماتانيتش، مولته وزارة الثقافة الكرواتية، وقد حقق أكبر دخل لفيلم كرواتي، وفاز بجائزة مهرجان روتردام بهولندا، واختير كأحسن فيلم كرواتي لعام 2008، وهو عن مجموعتي القصصية "صور من ليكا"، وعندما عرض في هولندا قال النقاد : هؤلاء هم أهل القرية والمهمشون عندنا، كان أبي يتخيل أنني سأصبح جراحًا، أو وزيرًا، لكنني اخترت أن أكون كاتبًا، وكان ينظر إلي باعتبار أنني خيبت أمله. لا أستطيع أن أرى مجموعة من الأشخاص تهاجم شخصًا وأسكت، الشجاعة والاحترام والصدق قيم لا بد أن نؤكدها في الكتابة والواقع على حد سواء، الأدب عليه أن يتوجه إلى التعبير عن المشكلات ويصارح بها، هناك كتاب ما يزالون يتكلمون عن الكرسي والجلوس بالمقهى والمنمنمات، جائزة نوبل لا تقدم ولا تؤخر، هناك الكثير ممن حصلوا على نوبل يكتبون كتابة سياسية وليست إبداعية، معظم الذين حصلوا على نوبل في السنوات العشر الأخيرة يرقصون على أنغام الموسيقى التي يعزفها السياسيون. أحب الكتابة التي لا تتحذلق، المليئة بالروح والحياة والتعدد، لم أقرأ شيئًا لكتاب العربية، أعرف أن هناك كُتّابًا ممتازين، لكنها مشكلة اللغة، لا بد أن يذهب الغرب إلى الشرق أيضًا، مثلما يأتي الشرق إلى الغرب، لابد أن نقبل بتنوع الثقافات، الشرقيون يأتون إلى الغرب بحثًا عن العمل، لكن ينبغي أن يأتوا للفهم.