(تجبها منين ولا منين) طبقاً للمثل المصري الذي يمثل شعار المحتار التائه بين سد ثغرة هنا أو هناك. هذا هو حال الحكومة اليونانية اليوم، والتي تواجه موجة غضب عارمة وكبيرة احتجاجاً على الإجراءات التعسفية التي تعتزم اتخاذها من أجل إنقاذ البلاد من أسوأ أزمة مالية تمر بها، وتهددها بالإفلاس ومن ثم الشلل الكلي. ولإضافة ملح كثير للجرح الغزير تقدم عضوان بارزان في البرلمان الألماني باقتراح يحسبانه وجيهاً وصادقاً يعرضان فيه على الحكومة بيع بعض جزرها الخالية لسداد ديونها التي تجاوزت 370 مليار دولار، وهي ضخمة جداً بالنسبة لاقتصاد متواضع كالذي في اليونان (الشرق الأوسط 5 مارس). لكن الاقتراح كان صدمة بالنسبة لليونانيين خاصة أنه لم يصدر من العاصمة الليبية، ولا من طهران، بل من زميلتها في الاتحاد الأوروبي العزيز. الاقتراح أشبه بذلك الذي عرض على تاجر مفلس بيع ابنته الحسناء لسداد ديونه أو بعضها. ومع ذلك لم ترد اليونان سوى بتصريحات غاضبة إذ أشار وزير خارجيتها بالنيابة أن (على المسؤولين الألمان التوقف عن تصريحاتهم السلبية تجاه الأزمة المالية اليونانية)، مشدداً على أن بلاده ليست في حاجة لتضامن سلبي من جيرانها في الاتحاد الأوروبي. طبعاً ردت ألمانيا بالتأكيد على أنها لن تقرض اليونان ولا سنتاً واحداً . وتصوروا معي لو أن مسؤولاً عربياً (في حكومة أو شورى أو برلمان) اقترح عرضاً مماثلاً على أفقر دولة عربية (ذات سيادة)، فماذا سيكون الرد الفوري يا ترى؟! أبسط رد فعل لن يكون دون سحب السفير الفقير، وطرد السفير الآخر (الحقير) إيذاناً بقطع العلاقات وإعلان العداوات وتجييش الصحافيين والصحافيات. وسيبدأ حتماً سيل من الشتائم المقذعة، وستُعلّق أميال من الحبال لتعليق الغسيل المنتن فوقها، ولتخرج الجماهير هائجة مائجة تصيح بأعلى صوتها: (بالروح.. بالدم.. نفديك يا أرضنا الأم..)!! والنتيجة المعروفة سلفاً أن كل هذا الرد الغاضب لن يجلب للخزنة الخالية مليماً واحداً . أما الصدمة الكبرى فهي التصرف على نحو معاكس لو قالها (خواجه بيك)، إذ سيكون الرد متزناً وعاقلاً وحكيماً وهادئاً.. عندها ستسود الدبلوماسية ولا شيء غير الدبلوماسية. [email protected]