لا أذكر أن فعالية واحدة أو مناسبة من المناسبات عُقدت في بلادنا سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو فنية، وآخرها معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يقام في الرياض حاليا، دون أن تثير اعتراض البعض أو امتعاض البعض الآخر، فتتحول تلك المناسبة أو المناسبات عن هدفها ليستغلها المغرضون لابتزاز المجتمع ويحولون معارضتهم إلى «فعالية» متفردة لا يوجد مثلها إلا في مجتمعنا الذي يتمسك البعض فيه «بخصوصية « تضعه في خلفية المجتمعات البشرية التي تشاركنا الحياة على هذا الكوكب الذي خلقه الله للناس جميعاً ليكون بينهم وبين بعضهم البعض صلات تجمع بينهم بصفتهم مخلوقات الله التي عمر بهم الأرض . حدث هذا في أكثر من مناسبة في المنتدى الاقتصادي وفي المنتديات والنوادي الأدبية وفي عدد من النشاطات الأدبية والثقافية والفنية المقامة هنا وهناك في أكثر من مدينة من مدننا السعودية في الطائفوجدة وجازان والرياض وغيرها، تحت مزاعم الحمية للدين والعرض والأخلاق والقيم.. الخ.والمؤسف أن من يقومون بهذا هم أناس منا يستغلون مثل هذه المناسبات لبذر بذور الفتنة في المجتمع وتشكيك الناس في دينهم وأخلاقهم وقيمهم التي تربوا عليها. فتتحول المناسبة أو الفعالية إلى أمر هامشي لتحل محلها «فعاليات» الفتنة والشقاق والصدام بين مكونات المجتمع الواحد ولكي تصبح تلك هي «أم الفعاليات» التي لا تمر مناسبة إلا وتجدها هناك تُدلي بثدييها لإرضاع المجتمع حليب الشقاق والفتنة . ولا أرى أدق من رأي سماحة الشيخ حسن الصفار في دعوته للوحدة الوطنية وتحذيره في مقال في صحيفة الرياض 3/3/2010م مما حدث في العراق من فتنة بين مختلف الطوائف الذي يجب أن يمثل درساً أمامنا يجب الاستفادة منه لوأد أي فتنة طائفية يمكن أن تحدث هنا أو هناك في عالمنا الإسلامي . فأولاً: لابد من رفع الغطاء السياسي عن أي مثير للفتنة بإدانته وتجريمه. وثانياً: أن يتحرك الواعون من الجهة التي ينتمي إليها لنصح من يصدر منه قول أو موقف مثير للفتنة حتى يتراجع عن ذلك. فالرجوع عن الخطأ فضيلة. ثالثاً: الحذر من الوقوع في فخ الاصطفاف الفئوي بالدفاع عن الخطأ ليبقى في دائرته الضيقة. محذراً من أن هناك جهات خارجية وداخلية مغرضة تعمل على إشغال المسلمين بالصراعات والخلافات خدمة لمصالحها وأجندتها السياسية. وهو ما يجب أن يدفعنا على الصعيد الوطني، وعلى مستوى الأمة، لبذل جهد في الوقاية والتحصين، بتفعيل مبدأ المساواة وحاكمية القانون، وتجريم أي إساءة أو إثارة للنعرات والعصبيات، ونشر ثقافة الحوار والتسامح. نافذة صغيرة: (لا أحسب أنّ أولئك المجيشين ينطلقون من شعور ديني بقدر ما ينطلقون من رغبة كبيرة في التسلط وإثارة غبار الفتنة في الوطن باسم الدين، ولا أحسبهم أيضا يقيمون وزنا للوطن ووحدته وأمنه فذلك آخر ما يفكرون فيه، فما نكاد نخمد ناراً حتى يهبوا لإشعال أخرى، مدفوعين برغبةجامحة وعزم أكيد في ألا يهدأ الوطن وألا تقوم لمشاريع التنوير والإصلاح قائمة، فالوطن والحرص عليه آخر شيء يخطر في بالهم..). د. حسناء عبدالعزيز القنيعير.