لِنَقُل بصراحة: (إنَّ البَشر لا يَكتبون إلَّا عن الوجوه المَألوفة)، ولكن «العَرفج» دَائماً يَقول: «سَمعنا وعَصينا»، لذا فهو يَكتب عَن الذين لم يُكتب عَنهم، وأظنُّ أنَّ مُهمّة «عَامل المَعرفة» أن يميط اللثام عن الرِّجَال المُلثَّمين، أولئك الذين يَستحقون «صدور المَجالس» باقتدار، ومِن هُنا يَقول الشَّاعر: إذا لَم يَكن صَدرُ المَجالسِ عَادةً فلا خيرَ فيمَن صَدّرتهُ المَجالسُ وأنتم تُلاحظون أنَّ المَجالس - «الإعلام»- تُصدِّر لنا العَشرات، بل «الآلاف» مِن البَضائع البَشريّة المَغشوشة «التَّايوانيّة»، لذا سأتحدَّث اليوم عَن رَجُل كبير في العِلْم والوَعي، اسمه «يوسف العجاجي».. هذا الاسم لا يَعرفه إلَّا النُّخبة، أو لِنَقُل نُخَب النُّخبَة.. لأنَّه يَتفانى في الاختفاء، بقَدر مَا يَتفانى الكثير في حُبّ الظّهور، وكما تَعلمون أنَّ «حُبّ الظّهور يَقصم الظّهور»..! «يوسف»، كائن اقتصادي، أهدته لي لندن، فهو رَجل يأسرك بعلمهِ وصدقهِ، ووفائهِ لمبادئهِ، عندما أجلس إليه، أشعر بأنَّه يَتمنَّى لو يَملك مَفاتيح السّعادة، ليَجعل كُلّ النّاس سُعدَاء..! «يوسف» رَجل قَومي صَادق، أقسمتُ له، لو كان كُلّ القوميين مِثله، لأعلنت قَوميّتي، وتركتُ «أمريكا ووَجهها الذي كَان مُشرقاً -أيَّام بوش-» وَراء ظَهري..! «يوسف» مَكتبة ثَقافيّة مُتنقّلة، يُجيد فَن العِبارَات المُختصرة، فمثلاً يَقول عن الرّوائي «نجيب محفوظ»: (إنَّه فيلسوف مُتأمِّل)، وإذا سَألته عن الصَّحافي «ناصر الدين النشاشيبي» سيقول لك: (لو أُعطى النشاشيبي الفُرصة التي أخذها «محمد حسنين هيكل»، لأحدَث ثَورة في الصَّحافة والفِكر العَربي).. اقتنصتُ الفُرصة لأسأله عَن الكَاتِب الكَبير «محمد حسنين هيكل»، فقال: (إنَّ «هيكل» أصبح عبئاً كبيراً على النَّاصريّة والنَّاصريين)، أمَّا عَن نَزار فيَقول: (إنَّه يَحكّ الجَرح ولا يُعالجه)، أمَّا عن الثَّقافة فهو العَارف بكواليسها، وقد أعلن لي أنَّ كِتَاب «تَأمُّلات في النَّاصريّة»؛ لمُؤلّفه «محمد فريد مشهدي»، هو للكَاتِب المَعروف «رفعت السعيد»، وأنَّ هذا «السعيد» هو كَاتِبه الحقيقي.. سَألته عن «التّلفزيون» فقال: (إنَّه ثَقافة هَابطة - Local Junk، لأنَّه يَحقنك ببرامجه، فلا يَجعل لديك وَقتاً للتَّأمُّل)..! سَألته عمَّا يَجلب السَّعادة إليه، فقَال لي: (حُبّ العَطاء)، بعدها سألته: أيّها الصَّديق: كيف نُكثِّف حياتنا؟!، فقال: (بالقراءة.. فالعَقَّاد يَقول: «القراءة هي حيواتٌ أخرى بَدلاً مِن حياةٍ واحدة»)، وقَد قَال القَائِل: ومَن وَعَى التَّارِيخ في صَدرهِ أضَافَ أعمَاراً إلى عُمرهِ! يا قوم.. «يوسف العجاجي» رَجُلٌ صَادق في حُبِّه ل «عروبته»، قال لي ذَات مرَّة: (يا أحمد، لماذا تَهجون العَرب؟! بالله عليكم.. مَاذا أقول لبَناتي وأولادي عَن العروبة، وأنتم تهجونها؟!.. يا أحمد، لقد كَان المَاضي قَرن هَجَاء العرب، وأظنُّ أنَّ القَرن القَادم سيَكون قَرن مَدح العَرب).. قَبلت هَذا الكَلام مِنه عَلى مَضَض، ولكنَّه رَجُلٌ نَادر رَائع، قال لي ذَات مرَّة: (لقد وَضعتك مُستشاراً لي، وأرغب أن تُرشِّح لي خَمسة أشخاص ممَّن تَتوسَّم فيهم حُبّ العروبة، بحيثُ أدفع لهم اشتراكاً، في «مَركز دراسات الوحدة العربيّة» مَدى الحياة)، ولا يُخفى عَلى القَارئ، أن إجمالي هذه الاشتراكات، قد يَفوق ال 100 ألف ريال.. حَقًّا، لقد أكبرت بهذا الرَّجُل الشَّهم الصَّادق، هَذه المُبادرة، التي تَدلّ عَلى صِدق الانتماء، ثُمَّ رَشَّحتُ له -بَعد تَفكير- كلاً مِن: «د. عبدالله مناع، ود. عبدالمحسن هلال، ود. أحمد درباس، والزَّميل الصَّديق فَهد الشّريف»، وما زلتُ أُفكِّر في الخَامس، فَلا عَجب، فالمُستَشار مُؤتمن! يا قوم.. هذا «يوسف العَجاجي».. إنَّه رَجُل لا يَكتب، ولكنَّه مِن المُحرِّضين عَلى الكِتَابة.. وعيبه الوحيد «حَبس العِلْم في صَدرهِ»، و «كِتمانه في فِكره»، دون أن يَعرف أنَّ للعِلْم «زَكاة»، يَجب أن يُخرجها، وأنا عَامل «الخَرَاج» الذي سيُخرج هذا الدُّر المَكنون..!.