في كلمته أمام مجلس الشورى وقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- أمام واحدة من أهم قضايا العصر، وهي أمانة الكلمة، ذلك أن الإعلام اليوم يقوم على توظيف اللغة كأحد أهم الأسلحة المعاصرة في توجيه الرأي العام، وكشف الحقائق، وفتح النوافذ وإغلاقها. والخطاب الإعلامي يرتكز بدرجة كبيرة على الكلمة والصورة، ولهذا فإن الكلمة اليوم ذات أثر في فتح أبواب الخلافات، وتوسيعها بين الأفراد والجماعات والدول، مثلما هي كذلك قادرة على ردم الفجوات، وتضييق دوائر الخلافات، ومعالجة آثار الصراعات والحروب. يقول -حفظه الله-: “إنكم تعلمون جميعًا بأن الكلمة أشبه بحدّ السيف؛ بل أشد وقعًا منه، لذلك فإنني أهيب بالجميع أن يدركوا ذلك، فالكلمة إذا أصبحت أداة لتصفية الحسابات، والغمز واللمز، وإطلاق الاتّهامات جزافًا كانت معول هدم لا يستفيد منها غير الشامتين بأمّتنا..”. إن الأهداف السامية للقيادة الواعية تسعى إلى توظيف الكلمة بما يتمشّى مع القيم العليا للإنسان الذي يدرك دور الكلمة، ويعي أهمية مراجعة السياقات السياسية والاجتماعية التي تؤثّر على مصائر الأمم والشعوب، ولهذا فإن كلمة أو عبارة تصدر من مسؤول لم يدقّق في دلالتها، أو تعمّد قولها بما يثير الآخرين قد تجرّ مشكلات يتعدّى أثرها قائلها إلى الأبرياء، وربما تقود إلى منازعات وحروب، وإن كلمة تصدر من حكيم متمرّس قد تطفئ النيران المستعرة، فالكلمة تجرح وتقتل، ولكنها في الوقت نفسه تعالج وتحيي؛ فهي السم والبلسم، وكثيرًا ما وجدنا الإعلام ينفجر في مواجهات تستمر وقتًا؛ ثم يأتي حكيم رشيد، فيسكت تلك الأبواق بكلمة واحدة. وللأسف فإن صوت الجهل والطيش موجود، وهو مصدر رزق لكثير من الصغار الذين تحرّكهم ثقافة القطيع؛ فيكيلون الاتّهامات للآخرين جزافًا، ويتعمّدون الإساءة والكذب؛ وما هي إلاّ أوقات معدودة حتى يخرج عليهم صوت العقل من حكيم كبير خبير يرفع صوته في وجوههم قائلاً: اخرسوا. فتصمت الأفواه الكاذبة.