أصبح معرض الكتاب مناسبة عالمية تهتم به أغلب دول العالم ، وبحكم أن معارض الكتب المقامة سنويا ذات طابع دولي ، وتشترك في فعاليتها دور نشر وجمعيات وأندية ومعاهد وجامعات ومراكز أبحاث ومكتبات من مختلف دول العالم على اختلاف إمكاناتها المادية والبشرية ، لهذا فالنتائج الإيجابية لمعارض الكتب عديدة ، ومنها : تزايد معدل الاهتمام بالقراءة ، تسهيل الحصول على مصادر المعرفة ، تقارب المجتمعات والثقافات ، إلا أن ذلك التوصيف يظل نظريا إذا لم يواكب تلك المعارض تحديث مستمر يصب في خانة تحديث الثقافة ، والتي تعتبر هدفا رئيسا . وإذا كان تحديث الثقافة أمرا معنويا وغير منظور ويحدث على المدى البعيد نسبيا (أي خلال سنوات تمتد إلى عقود) ، فلا بد من تخطيط يحقق ذلك الهدف ، وآليات واستراتيجيات لتنفيذه ، وتحديد الأهداف ونجاح التخطيط والاختيار السليم لكيفية التنفيذ يتم من خلال وسائل مناسبة عن طريق الاستعانة بمؤشرات إحصائية وقياسية ، بالإضافة إلى دور البحوث والدراسات في دعم ومساندة الاختيارات وتقييم النتائج. والطريق لتحديث ثقافي يتم من خلال تحديث معارض الكتب نفسها ، ولكي تبنى الخطط على أسباب قوية يكون من الأجدى عمل مسح بحثي وميداني لجميع فعاليات المعارض السابقة (مثلا ، كل خمسة أعوام مضت) ، وذلك ضمن نظرة نقدية تستهدف مقارنة التغيرات والنتائج أثناء الفعاليات وبعدها بين أعوام متتالية ، والأهم أن تشمل المقارنة جميع الجوانب التنظيمية والإعلامية والتسويقية، وأيضا ميول الناس وتوجهاتهم في مجالات القراءة ، حيث تتغير تلك الميول والتوجهات بين عام وآخر وفقا لعوامل ومؤثرات وطنية وعالمية ، وعندما يعطى كل جانب ما يستحقه من معاينة وبحث تتضح الثغرات والعوامل المؤثرة لكي يتم تلافيها مما يساند في توافق الخطة مع الأهداف. ومن الملاحظ أن القرارات الجديدة المتعلقة بإعادة تنظيم تلك المعارض وما يصب في خانة تطوير أهدافها تعتبر محدودة إذا تمت مقارنة بين أعوام متتالية ، فهناك قرارات جديدة وجيدة ، ومنها مثلا أن تمتد فعاليات المعرض إلى مدينة بعد العاصمة الرياض كمدينة جدة، وأيضا أن تخصص عدة فعاليات لدولة من الدول حتى تقدم ما لديها كدولة السنغال ، إلا أن التحديث يحتاج إلى قرارات أبعد من تلك، وهنا يأتي دور تطبيق دراسات بحثية مبنية على ملاحظات واستطلاعات ومؤشرات حول وقائع ونتائج المعارض التي نفذت من أجل معرفة مدى ما منحته للثقافة وما لعبته من دور، ومن أهم مجالات البحث : تنوع محتوى المعارض لتلبية التعدد الثقافي، ومعايير تسعير وبيع الكتب والمواد المنشورة ، ونسبة مشاركة الدول في فعاليات المعرض ، ومعدلات القراءة من خلال استبانات نموذجية، ونوعية القراءة ونسب أنواع القراءة لجميع فئات عملاء المعرض ، بالإضافة إلى نقاط أخرى يمكن اعتبارها مؤشرات تساند في تحقيق الدراسة الجادة للوصول إلى هدف التحديث الثقافي المنشود. وإذا كانت بعض الجوانب البحثية يتم العمل بموجبها ، كما يتم تطبيق عدد من المؤشرات على أرض الواقع ، إلا أن ذلك قد يحدث بصورة محدودة وروتينية ، وإذا حدث فعلا لا يتم تحليله ، ولا تبنى عليه تغييرات وقرارات جديدة ، وبسبب ذلك تكررت الصورة النمطية لمعارض الكتب سنويا دون تميز بارز وهام بين عام وما يليه ، وبين فترة وما يتبعها ، فنجد التكرار في كذا جانب رئيسي وفرعي : في تنظيم الفعاليات وعناوينها ، وفي الدول ودور النشر المشاركة ، وحتى في نوعية ما ينشر ويتم تسويقه ، وجودة الكتب وأسعارها ، كما نجد نفس مصادر المعرفة ، مما أدى إلى افتقاد المعرض لروح التجديد الثقافي ، وأصبحت معدلات الإقبال عليه متقاربة ، بينما المطلوب أن يعكس معرض الكتاب الدور الثقافي والمعرفي المأمول والمتوقع ، والذي يرضي طموح الأفراد والمجتمعات على السواء.