لقد اقترن تحريم الربا فى الإسلام - بتحريم التجارة فى النقود .. فالربا هو تجارة فى النقود وسمسرة ومضاربة فى النقود، تثمر ربحا طفيليا ، لا علاقة له بالعمل أو الإنتاج.. بينما فلسفة الإسلام في النقود قائمة على أنها “بدل” عن السلع والخدمات وليست “سلعة” يتم الاتجار فيها. ولقد أجمع على هذه الحقيقة – فى فلسفة الإسلام إزاء النقود- كل فقهاء الإسلام – من جميع المذاهب ومن جميع الأقطار وعبر عصور تاريخ الفقه الاسلامى .. فحجة الاسلام أبو حامد الغزالى ( 450—505ه) وهو شافعى المذهب الفقهى يقول فى كتابه الفذ( إحياء علوم الدين) قبل نحو ألف عام .. لقد خلق الله الدنانير والدراهم حاكمين ومتوسطين بين سائر الأموال حتى تقدر الأموال بهما وإنما أمكن التعديل بالنقدين لأغرض فى أعيانهما فإذا خلقهما الله تعالى لتتداولها الايدى .ويكونا حاكمين بين الأموال بالعدل ولحكمة أخرى وهى التوسل بهما إلى سائر الأشياء لأنهما عزيزان فى أنفسيهما ولا غرض فى أعيانهما ونسبتهما إلى سائر الأموال نسبة واحدة .. فالنقد لا غرض فيه ، وهو وسيلة إلى كل غرض. فكل من عمل فيها عملاً لا يليق بالحكم بل يخالف الغرض المقصود بالحكم ، فقد كفر نعمة الله فيها فإذا من كنزهما فقد ظلمهما وأبطل الحكمة فيها لأنه إذا كنز فقد ضيع الحكم ولا يحصل الغرض المقصود به. وما خُلقت الدنانير لزيد خاصة ولا لعمرو خاصة إذا لأغرض للآحاد فى أعيانهما فإنهما حجران ( الذهب والفضة ) وإنما خلقا لتتداولهما الايدى فيكونا حاكمين بين الناس وعلاقة وتعرفة للمقادير مقومة للمراتب قال تعالى ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم ) سورة التوبة . وكل من عامل معاملة الربا على الدراهم والدنانير فقد كفر النعمة وظلم ، لأنهما خلقا لغيرهما لا لنفسيهما إلا لغرض فى عينها اذا تحروا في عينها فقد اتخذهما مقصوداً على خلاف الحكمة إذا طلب النقد لغير ما وضع له ظلم . فلو جاز لمن عنده نقدا أن يبيعه فيتخذ التعامل على النقد غاية عمله بقي النقد مقيداً عنده فينزل منزلة الكنوز ولا معنى لبيع النقد بالنقد إلا اتخاذ مقصود الادخار وهو ظلم . فكل ما خلق لحكمة فلا ينبغي أن يصرف عنها”. هكذا تحدث حجة الإسلام أبو حامد الغزالي - قبل نحو ألف عام عن فلسفة الإسلام فى النقود وكيف أنها “بدل” للسلع والمنافع وليست “سلعاً” يتم الاتجار بها وفيها وتحدث عن أن إخراج النقود عن الحكمة منها إنما هو ظلم يؤدي إلى كنزهما أى تركز الثروات والأموال فى جانب المنجزين فيها ومن ثم تركز الفقر والعجز والفاقة من ضحايا هذا النظام الظالم الذى يقوم على النشاط الطفيلي الربوى أي جعل النقود سلعة تجلب نقودا دونما عمل منتج أو إضافة حقيقية لاقتصاديات الأفراد والمجتمعات . إن إعادة القراءة لهذا الفكر الاسلامى .. وان تعميق الوعي بمقاصده ومراميه .. وإن اطلاع العالم على فلسفة الإسلام لهذا الفكر الاسلامى فى الأموال والنقود ، إنما يفتح العقول والقلوب على عظمة الإسلام وعلى عبقريته التى تقدم الحلول لأزمات العالم الذي نعيش فيه الآن ؟