لي صاحبٌ رفيع الذوق ، جيد التصور .. وللذوق والتصور – في بعض الأحايين – اعتلال ينحدر بهما حتى يكون خارج التغطية ، كالهاتف الجوال الذي يسمعك صوت محدثك أصواتا تشبه وقوع آنية الزجاج على أرض صلبة .. قال ذلك الصاحب : ألَّفْتُ كتابا جمعت فيه فصولا وأبوابا في هموم الأمة ، قلت : فماذا أسميته ؟ قال : أسميته : نَفْثَة مَصْدُورٍ .. ومعلوم أن المصدور هو من أصيب بمرض في صدره ، والنفثة : التّفْلَةُ ؛ وغالبا ما يعبِّر به الأدباء عن ما يُعْقِبه الحب من النحول وفساد الجوف ، حتى يصاب العاشق بداء الصدر ، فينفث دما ، ومن ذلك قول ابن دريد في مقصورته المشهورة : لكنّها نَفثة مصدور إذا جاش لُغامٌ من نواحيها غمّا فصار اسم الكتاب ( تَفْلة مصدور ) ولم يكن – بلا شك – مصدورا ، ولا مكبودا ( من أصابه داء الكبد ) ولا ممعودا ( من أصابه داء المعدة ) ولكنه أمرٌ جرت عليه العادة في الدَّعاوى العريضة في حمل هموم الأمة ، فلا الذوق يناسب التفل في هذا الموضع ، ولا الحالُ يساعد على صدق معناه .. وقد وجدت من يؤلف كتابا من أجل عنوان أعجبه ، فيسبق العنوان الكتاب ، فتراه ينزع من هنا وهناك ، وينقل من هذا وذاك ، بما يتفق له ، فيجمعُ كتابا هزيلا ، فلا يطابق الاسم المسمى ، ويخرجُ لنا كتابا مصنفا مشتملا على تخاليط ، مثله : من يُسمي ولده قبل ولادته باسم ذكر ، فتحقق حين ولادته أنه خنثى مُشكِل .. هذا ، ولم أزل بصاحبي حتى أثنيته عن عنوانه إلى عنوان آخر ، واستأذنته في نشر ما كتبت ، فتبسم ضاحكا ، وأشار برأسه ، فأشكر له إنصافه وأرْيَحيَّتَه !!