بعيداً عن التعريفات الغربية، أو الغريبة لليبرالية؛ فإنها تعني ببساطة أن يكون الإنسان (حراً). وما المانع في الإسلام أن يكون الإنسانُ حراً في حدود ما منحه الله ورسوله من الحرية! لا أدعي أنني سأضع تعريفاً لليبرالية لم تأت به الأوائل؛ ولكنني أنظر إليها من مفهوم إسلامي؛ لأن الإسلام يحترم حرية الناس، ويحرص عليها؛ ولذلك لا أتفق مع تصنيف المسلمين إلى فريقين؛ فيقال هذا (إسلامي) وهذا (ليبرالي) فيختلفون حتى إن أحدهم ليكفر الآخر أحياناً؛ بينما يقولون جميعاً: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ ويؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويؤمنون بالقدر خيره وشره.. فعلام كل هذه الكراهية والتناحر! الذي دفعني للكتابة داخل هذه الحقول من الألغام، هو أنني التقيت على هامش مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث في العاصمة الرياض، بأخي الدكتور سعيد السريحي؛ بينما كنت أضم إلى صدري أخي الدكتور حمود أبو طالب؛ فتقبلني السريحي بصفتي مسلماً، وكليبرالي من وجهة نظره؛ وشرع يتحدث مع أخي الأستاذ إبراهيم طالع الألمعي عما رآني عليه من خلط عجيب؛ مع أنه كان قد رفض نشر لقاء مطول أجرته معي صحيفة عكاظ، دون أن أعلم سبب الرفض. بصرف النظر عن تأويلي لكل هذا؛ فإنني أرى أن شعورَ الليبراليين بأنهم مرفوضون نتيجة توجههم الإسلامي غير المقبول عند بعض المسلمين؛ جعلهم يبحثون بتعمق في الشريعة الإسلامية، ويدرسون الكثير من المسائل الدينية التي يدور حولها خلافٌ بينهم وبين فرقائهم، فركزوا على معرفة الجذور الصحيحة لتعاليم الدين الإسلامي عن طريق مناقشة أكثر علماء الشريعة تقيداً بما جاء عن الله ورسوله، دون مغالاة في الدين، أو التقاليد؛ فتوصلوا إلى حجج صحيحة؛ ربما لم يتوصل إليها كثير ممن يرفضونهم.. أقول ذلك ولا أنكر أنني استمعت إلى الكثير من الذي أخذوه عن أجلاء من علمائنا الكبار. أحسبُ أن الليبراليين يركزون على المنطق الديني لا العاطفي الذي يجنح إليه -مثلاً- بعض من يفتون الشبابَ بتفجير أنفسهم من أجل قتل الكفار في بلدانهم، أو المستأمنين في بلداننا؛ كنتيجة للمغالاة، أو العاطفة، أو الظن بأنهم يحسنون صُنعا.. هذه المغالاة، أو غيرها في أمور كثيرة هي ما ركز عليه الليبراليون متجنبينها؛ فلقوا قبولا عند كثير من المعتدلين. هذا لا يعني أن الخلاف، أو الاختلاف سينتهي بين الناس؛ كلا، بل سيبقى إلى قيام الساعة يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها من المختلفين والمتفقين.. هذه سنة الله في أرضه، منذ أن أرسل أنبياءه ورسله ليعلموا الناس الحق، وبأنهم من المسلمين؛ وأن الجميع سيُعرضون على الله في يوم الفصل ليحكم في أي خلاف جرى بينهم على الأرض. قال تعالى: «ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون».. حتى لو كان الخلاف حول ذهاب المرأة إلى الحقل ممتطية حمارها لجلب قوت يومها، أو تقود سيارتها لتتسوق، أو بشأن ذهابها خلف سائق أجنبي في سيارة واحدة توصلها إلى المدرسة من أجل تأمين قوت زوجها أحياناً. على كل حال، المساحة تضيق هنا، كضيقنا بأن نسمعَ أو نتقبلَ بعضنا بعضا.