أثبت أهل السنة والجماعة أن لله تعالى صورة ، وأنه خلق آدم عليه السلام على صورته كما روى البخاري ومسلم من طريق عبد الرزاق الصنعاني – وقد رواه في مصنفه – قال أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً ، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على هؤلاء النفر– وهم نفر من الملائكة جلوس– فاستمع إلى ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، قال: فذهب؛ فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله ، قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن). وقال الإمام أحمد ( في كتاب السنة ) حدثني أبو معمر قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن) وروى نحوه ابن أبي عاصم في السنة ( 1/228، ط المكتب الإسلامي، 1405ه ) وقد صحح هذا اللفظ الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية كما في فتح الباري في آخر كتاب العتق (5/217). كما صححه الآجري. قال جمهور أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله- في خلق الله لآدم على صورته، أي صورة الله تعالى، من غير تمثيل ولا تكييف، بل صورة الله تليق به وتناسبه كسائر صفاته ، كما قال تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)(الإخلاص:1- 4) وقال عز وجل:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: من الآية11) وقال سبحانه: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ) (مريم: من الآية65) وقال:( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:74) . قال ابن تيمية – رحمه الله - : من المعلوم أن الشيئين المخلوقين قد يكون أحدهما على صورة الآخر مع التفاوت العظيم في جنس ذواتهما وقدر ذواتهما، وقد تظهر السموات والقمر في صورة الماء أو مرآة في غاية الصغر، ويقال : هذه صورتها مع العلم بأن حقيقة السموات والأرض أعظم من ذلك بما لا نسبة لأحدهما إلى الآخر. وكذلك المصور الذي يصور صورة السموات والكواكب والشمس والقمر والجبال والبحار بصورة ذلك مع أن الذي يصوره وإن شابه ذلك فإنه أبعد شيء عن حقيقته وعن قدره . والإضافة تتنوع دلالتها بحسب المضاف إليه، فلما قال في آخر الحديث: ( فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً) هذا يقتضي مشابهة الجنس في القدر لأن صورة المضاف من جنس صورة المضاف إليه وحقيقتهما واحدة وأما قوله: ( خلق آدم على صورته ) فإنها تقتضي نوعاً من المشابهة فقط، لا تقتضي تماثلاً لا في حقيقة ولا قدر. ( بواسطة عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن لحمود التويجري ص 93 ) . وعليه لا يدخل نوع المشابهة هذا في المنفي بقوله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) كما لا يدخل فيه مطلق التشابه أي التشابه من بعض الوجوه؛ ضرورة ، إذ ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك يشتركان فيه، وقدر مختص يتميز به كل واحد عن الآخر فيتشابهان من وجه ويفترقان من وجه ، فالحياة – مثلاً – وصف مشترك بين الخالق والمخلوق لكن حياة الخالق تختص به فهي حياة كاملة من جميع الوجوه لم تُسبق بعدم ولا يلحقها فناء ، بخلاف حياة المخلوق فإنها حياة ناقصة؛ مسبوقة بعدم متلوة بفناء، فالقدر المشترك كلي لا يختص بأحدهما دون الآخر ، لكن ما يختص به كل واحد ويتميز به لم يقع فيه اشتراك وحينئذ لا محذور من الاشتراك في هذا المعنى الكلي ، وإنما المحذور أن يجعل أحدهما مشاركاً للآخر فيما يختص به ، ومطلق المشاركة لا يستلزم أن يتماثلا فيما يجوز ويمتنع عليهما ويجب لهما ، ثم إذا كان القدر المشترك لا يستلزم إثبات ما يمتنع على الرب سبحانه ولا نفي ما يستحقه ؛ لم يكن ممتنعاً ، فإذا اشتركا في صفة الوجود والحياة والعلم والقدرة واختص كل موصوف بما يستحقه ويليق به ، كان اشتراكهما في ذلك أمراً ممكناً لا محذور فيه أصلاً ، بل إثبات هذا من لوازم الوجود ونفيه يلزم منه التعطيل العام . ( تنظر التدمرية ، القاعدة السادسة ، 116-131 ، وتقريب التدمرية لابن عثيمين 98-99 ) .وفي الأسبوع القادم الرد على ما ذكره من الأدلة التي استُدل بها على القول بأن القرآن مخلوق. • باحث شرعي